أنقر على الرسم البياني لتكبيره
يثير هذا الأمر التساؤلات عن احتمالات تعافي الاقتصاد من أزمة كورونا التي قوّضت قدرة الشركات الواعدة على الانطلاق مجدّداً. بمعنى آخر، أدّت الجائحة إلى «زيادة في القوّة السوقية»، وشهدنا في الفترة الأخيرة «دلائل متنامية في كثير من الصناعات على أن القوّة السوقية أصبحت راسخة الجذور في ظل غياب أيّ منافسين أقوياء للشركات المهيمنة».
على أي حال، يعتقد معدّو التقرير أن هناك اتجاهاً عاماً نحو تراجُع ديناميكية الأعمال. هناك مؤسسات صناعية تعجز عن الانطلاق خارج سوقها المحلية. وهناك مؤسّسات تجارة تجزئة تضرّرت من أسعار منافس كبير يعمد إلى البيع بأقل من سعر الكلفة مؤقتاً حتى يمنع المشروعات الجديدة من دخول السوق... كل ذلك يُعدّ من وجهة نظر غورغييفا وزملائها، «فرصاً ضائعة في ما يتعلق بالنموّ وخلق الوظائف وزيادة المداخيل»، لا بل أكثر من ذلك، هم يستندون إلى أبحاث معدّة في الصندوق، تشير إلى سيطرة بعض الشركات على الأجور في أسواق العمل فتدفع للعاملين أقلّ مما تبرّره إنتاجيتهم الحديّة.
لكن إلى جانب كورونا، هناك عوامل متعلقة بصفقات الدمج والاستحواذ، ولا سيما التي تنفذها المؤسسات المهيمنة على الأسواق. صحيح أن صفقات الدمج والاستحواذ قد تحقّق وفراً في الكلفة ومنتجات أفضل، لكن لديها سمة تعطيل أو إضعاف الابتكار وترفع مداخيل الشركة مقابل خدماتها. هذا الأمر مثير للقلق، «تشير أبحاثنا إلى أن صفقات الدمج والاستحواذ التي تقوم بها الشركات المهيمنة تسهم في تراجع ديناميكية الأعمال على مستوى الصناعة بوجه عام. هذا الأمر يبعث على القلق البالغ في عالم يتّسم بانخفاض نمو الإنتاجية».
إذاً، كيف تجب مواجهة هذه المشكلة؟ في هذا المجال، تقدّم غورغييفا وزملاؤها حلولاً مختلفة منها؛ أن تكون هناك معايير أشمل للرقابة «فعلى سبيل المثال، طبّقت ألمانيا والنمسا أخيراً حدوداً تقوم على سعر الصفقة، بالإضافة إلى الحدود القائمة على حجم أعمال الكيان المعني». كذلك يجب على السلطات المعنية اللجوء إلى أساليب «أنشط» في تطبيق قواعد الحظر على إساءة استخدام المراكز المهيمنة، كأن تلجأ إلى التحريات السوقية التي أدّت في عام 2018 في أستراليا بخصوص صناعة منتجات الألبان، مثلاً، إلى فرض تحسينات إلزامية في ممارسات التعاقد بين المزارعين والقائمين بعمليات التجهيز. ضمان المنافسة في أسواق الإنتاج، وتمكين السلطات من مواكبة الاقتصاد الرقمي ومن الموارد أيضاً. الموارد مهمة جداً. ففي الولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال، تبلغ الموازنة المجمّعة لهيئة التجارة الفيدرالية وقسم مكافحة الاحتكار بوزارة العدل نحو نصف ما كانت عليه منذ أربعة عقود نسبة إلى الناتج المحلي. وفي كثير من البلدان الأخرى، قد يلزم توجيه استثمارات لتحقيق مزيد من التقدم في تعزيز الخبرة الفنية في قطاعات بعينها في خضم التغيّر التكنولوجي السريع. وقد أعلنت المملكة المتحدة أخيراً عن إنشاء «وحدة الأسواق الرقمية» التي ستضطلع بمسؤولية ضبط سلوك المنصات المهيمنة، مثل «غوغل» و«فيسبوك».
في هذا السياق تدعو غورغييفا وزملاؤها صنّاع السياسات إلى الحيلولة دون ارتفاع حادّ جديد في القوة السوقية يعطّل التعافي، «فالأزمة ستعيد تشكيل اقتصاداتنا من خلال تحوّلات هيكلية عميقة يُتوقع أن تحفّز موجة من الشركات الشابة العالية النمو على الابتكار وخلق وظائف عالية الجودة. وهي تستحق بيئة تحقّق لها المنافسة على قدم المساواة وتتيح لها فرصة عادلة للنجاح. ومن المهم أيضاً وجود دعم أوسع نطاقاً من السياسات للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، إذ إن كثيراً من الشركات الصغيرة لم تتمكن من الاستفادة من البرامج الحكومية المصمّمة لمساعدة الشركات على الوصول إلى التمويل أثناء الجائحة.
* عن مدوّنة البنك الدولي بتصرّف
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا
تابع «رأس المال» على إنستاغرام