منذ نحو 11شهراً بدأ الانهيار المالي النقدي وتراكمت فوقه مجموعة عوامل مسرّعة له مثل انتشار جائحة كورونا، وانفجار مرفأ بيروت، ثم استقالة الحكومة. في هذه الفترة انشغلت قوى السلطة في لبنان بمسألة واحدة تتعلق بتحديد الخسائر والجهة التي يُفترض أن تتحمّلها. فهل تعتقد أن هذه المسألة لا تزال هي الأولوية للحكومة المقبلة التي كُتب بيانها الوزاري في قصر الصنوبر؟- الحكومة تحتاج إلى ثقة الشعب لتتمكن من الالتفات إلى الأولويات. ثقة الداخل قبل الخارج. السياسات التي انتهجها لبنان عبر نصف قرن مضى، أنتجت اقتصاداً ريعياً دمّر إمكانات البلد، ونظّم شبكة من العلاقات بين المصارف والساسة الحاكمين على قواعد المحاصصة والطائفية والمذهبية. هذا النظام فشل اقتصادياً ومالياً واجتماعياً، وأصبح لبنان بلداً منهوباً، علماً بأنه ليس بلداً فقيراً. لذا، فالأولوية ألا يكون هناك مكان لهذه القواعد في تشكيل الحكومة التي يتوجّب عليها العمل سريعاً من دون تأليف لجان وتضييع وقت والالتفات إلى مجموعة مسائل أساسية؛ عليها التعامل مع النتائج الكارثية لانفجار مرفأ بيروت لجهة الإيواء وإعادة الإعمار، والتعامل مع الأثر المترتّب على جائحة كورونا، وتداعيات الانهيار المالي والنقدي والمصرفي الذي أنتج انهياراً في سعر الصرف وتضخماً في الأسعار وبطالة تفوق 50% من القوى العاملة، وفقراً يفوق 50% من السكان. المشهد قاتم وإن كنّا لا نسعى لرسم صورة قاتمة.
ومن ضمن الأولويات غير المباشرة، يجب إعادة تأهيل مرفأ بيروت بأسرع وقت نظراً إلى مساهمته في الاقتصاد اللبناني. الكهرباء أولاً وثانياً وثالثاً. هذه أولويات لا يجب أن تتأخر.

وجّه مصرف لبنان إنذاراً إلى الحكومة عن قرب نفاد موارده المالية بالعملات الأجنبية التي يمكن أن يستعملها لدعم السلع الأساسية والغذائية، فهل تعتقد أننا بلغنا فعلاً مرحلة إلغاء الدعم رغم الحاجة الاجتماعية الملحّة وسط ارتفاع سعر الدولار وتآكل مداخيل الأفراد؟
- حتى الآن نتكهّن عن احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، لكن يبدو أن الأرقام المعلنة غير بعيدة عن الواقع. إذا استمرّينا في استعمال الاحتياط الموجود، فمن الممكن ألا يكون المصرف قادراً، قريباً، على دعم استيراد الدواء والنفط والمستلزمات الطبية والقمح. هذه حقيقة. إذا توقف الدعم ستتجه الشركات للحصول على الدولارات اللازمة للاستيراد من السوق الموازية، ما يعني ارتفاعاً في سعر الدولار قد يكون جهمنياً. عندها، الطبقة الفقيرة لن تحلم بالقوت اليومي. لذا يجب على الدولة أن تتحرّك سريعاً لحماية تآكل مداخيل الأفراد وحفظ ما تبقّى من قوّة شرائية متدنية جداً ورفعها، وإلا سنشهد وضعاً كارثياً في مجتمع مسيّس. ولكن أي حلّ جذري للمسألة اللبنانية يدخل في سلّة الحل الجذري بين الولايات المتحدة وإيران.

يتردّد بأن الطريقة الوحيدة لإطلاق الاقتصاد هي في إنشاء نظام مصرفي جديد، فهل تعتقد أن قوى السلطة تدرك أهمية هذا المسار انطلاقاً من الاعتراف بالخسائر الحقيقية أم أنها تحاول تجنّب هذا المسار في محاولة يائسة من أجل ترقيع النموذج الحالي المنهار؟
- النظام المصرفي في لبنان مبنيّ على فكرة ”بنك الشرق“. لبنان كان محط أنظار الكثير من المستثمرين العرب وأثريائهم الذين يعانون من مشاكل في الدول التي يعيشون فيها. أضف إلى ذلك، عندما كان الدولار ينخفض في لبنان، كنا نحمي الدولار في لبنان وليس الليرة. كنا نعطي فوائد عالية جداً واتضح أنها من أموال المودعين. كان النظام المصرفي ريعياً مئة في المئة. فهل نحن بحاجة إلى هذا الحجم من القطاع المصرفي؟ وكيف يمكن للنظام المصرفي الجديد أن يجذب الاستثمارات؟ يجب البحث أولاً عن الوضع السياسي. ثقة الناس بالنظام المصرفي تدهورت إلى حد كبير ويحتاج الأمر إلى تدخّل مباشر من الدولة في هذا النظام كما حصل في إنكلترا وأميركا وغيرهما التي تدخّلت بعد أزمة عام 2008. يجب أن نتجه نحو بناء اقتصاد حقيقي.

* عميد كلية إدارة الأعمال في جامعة المعارف

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا