في ظل عجز المصارف، بهيكليتها الحالية، عن ضمان حقوق المودعين وتلبية حاجات السوق والحركة التجارية، تطرح الحكومة «الدمج المصرفي» كخطوة إصلاحية ضرورية. فرغم أن هناك حاجة ماسّة إلى رسملة المصارف بأموال كبار المساهمين، إلا أن هذه المصارف تتهرّب من مسؤولياتها كشركات تجاريّة، وتمانع زيادة رساميلها تبعاً لطلب مصرف لبنان وهذا الأخير لا يلاحقها بجديّة. ليس الأمر مستغرباً، فقد اعتادت معظم المصارف على الامتثال الانتقائي، لأن حاكم مصرف لبنان كان مصرّاً على قاعدة عدم إفلاس أي مصرف مهما أساءت إدارته أو انحرفت. قرار كهذا، بدا في حينه مطمئناً للمودع، إلا أنه أفسد المصارف وعطّل القوانين وفتح نافذة للمستهترين والمغامرين بالخروج عن القواعد، والتلاعب بأموال الناس بلا خوف من المحاسبة أو حتى الملاحقة القانونية. في مطلع الألفية الثالثة شهدت تجربة مواجهة حقائق الدمج المصرفي في مجلس الوزراء. هي تلك الحقائق التي كشفت تفرّد مصرف لبنان بالقرار، وارتباك الدولة، وغياب أي شكل من أشكال الرقابة أو المحاسبة، ما أسهم في التأسيس للأزمة العاصفة التي يعيشها الاقتصاد الوطني اليوم. المهم في الأمر أن تستفيد السلطات السياسية والمالية والنقدية التي تحاول اليوم اعتماد الدمج المصرفي من التجربة لتتجنّب الثغرات التي فتحت الطريق نحو الهندسات المالية الشهيرة والمخالفات الفاضحة.

بلغت كلفة عمليات دمج المصارف التي نُفّذت في تسعينيات القرن الماضي نحو 1500 مليون دولار جرى تمويلها من المال العام وصبّ غالبيتها في جيوب مصرفيين فاشلين أو مزيّفين شملهم عطف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. التعثّر في المصارف، تأسّس في ظل مناخ الحرب الأهلية مع استشراء ثقافة الفساد وتفشّي نزعة الاستحواذ على ملكية الغير بالنهب المباشر أو الاحتيال. نجح كثيرون في مصادرة حقوق وأموال الناس ومراكمة ثروات ضخمة من بينهم السياسي، والميليشياوي، وموظف الدولة، والوسيط المصرفي. أفلتوا من يد العدالة عبر الرشوة وتوزيع المغانم، والحصانة القانونية. بهذا المناخ، وفي ظل الشبكة المترابطة من أصحاب المصالح - في القطاع الخاص كما في القطاع العام – الذين يشكلون عُصبة متماسكة تشدّها الرغبة لتحقيق الأرباح، استخدم عدد من المصارف أموال المودعين في مضاربات غير مشروعة، وصفقات عقارية «طموحة»، وتسليفات مشبوهة تقاسم أسرارها وفوائدها صاحب المصرف والموظف وأحياناً المستلف. أدّت هذه الممارسات إلى خسائر كبيرة جرى التكتم عليها بأساليب ملتوية قبل أن تنكشف وينكشف معها عجز المصرف عن الدفع.
في المرحلة الأولى من الحرب الأهلية تناوبت الميليشيات على نهب محتويات المصارف، بينما في المرحلة الثانية التي تخللتها هدنات طويلة، شهدت السوق المصرفية هروب غالبية المصارف الأجنبية، ونموّ مصارف صغيرة محليّة كان بمعظمها هشّ البنية وعاجزاً عن تطبيق أصول العمل المصرفي أو الصمود بوجه التحولات الحادّة. وفي أواخر عام 1992 تشكّلت حكومة الرئيس رفيق الحريري التي اعتمدت منهجية الدمج لمعالجة التعثّر والإفلاس. يومها كان الرئيس الحريري قد تسلّم وزارة المال وعيّن مساعده فؤاد السنيورة وزير دولة للشؤون المالية، كما عيّن صديقه رياض سلامة حاكماً لمصرف لبنان، فأصبح القرار المالي والنقدي يتحرّك ضمن دائرة شبه مغلقة وتديره جهة واحدة لها امتدادات واسعة ونافذة في كل القطاعات.
ورغم أنه كانت هناك مصارف مزدهرة لها ودائع وإعلانات وحضور، إلا أنها فقدت، فجأة، حيويتها وبريقها وتوقفت عن الدفع - أو كادت – بسبب فقدان السيولة وسوء الإدارة ونهم رجال السياسة، أو بسبب فقدان السيولة والملاءة معاً بسبب انحرافات أصحابها ومديريها، كما حصل مع: البنك الأهلي، فيرست فينشيان بنك، الاعتماد الشعبي، مجموعة هلشر (تمرز)، المشرق (تمرز)، مبكو (الشلبي)، بالإضافة إلى المصارف اللبنانية الثلاثة في باريس: UBC, BPP، واللبناني العربي. في تلك الفترة، تعرّضت المصارف إلى حملات ضارية من رجال السلطة والميليشيات فلم يفلت مصرف واحد من دفع الإتاوات، تماماً كما حصل أثناء المرحلة الأولى من الحرب الأهلية.

عمليات في الظلّ
الدمج يتطلب وجود مصرف دامج ومصرف مدموج. عندما يشرف مصرف على الغرق، ينبري آخر إلى إنقاذه عبر نقل الموجودات والمطلوبات آملاً بتحقيق الربح وإشباع الرغبة بالتوسع. تتطلب العملية موافقة مصرف لبنان الذي يمنح، بحسب القانون 192، القروض اللازمة للمصرف الدامج بشروط ميسّرة وبفائدة متدنية. هذا القانون أُقرّ في ساحة مهيأة. طرحه الرئيس الحريري على أساس تنقية المصارف، ومجلس الوزراء اعتبر الدمج وسيلة لتدفق الرساميل وتعزيز الخبرات اللازمة لزيادة القدرة على التوسّع والمنافسة. وفي مجلس النواب صدر القانون من صعوبة تذكر وأنيطت صلاحيات تقديم التسهيلات بلا تحديد دقيق للسقوف بالمجلس المركزي وبحاكم مصرف لبنان.
بدأت العمليات الواحدة تلو الأخرى من دون علم مجلس الوزراء. مرّ الأمر بلا ضجة في ظل نقاش مركّز على عجز الموازنة والدين العام وأسعار الفائدة وحصص الأحزاب وفضائح الكهرباء والرشى... يومها كنت مع زملاء الدراسة نناقش مسألة التوظيف في القطاع العام، فسألني أحدهم (وليد س): «ليتنا نرى حرصاً مماثلاً في مجلس الوزراء على المال العام الذي يُنفق بغزارة لدعم المصارف المتعثرة». وبعد فترة زوّدني بوثيقة تثبت حصول «بنك بيروت» على قرض ميسر بقيمة 600 مليار لدمج بنك بيروت الرياض. لاحقاً، رسمت صورة عن حجم عمليات الدمج وكلفتها، وقرّرت أن أثير هذه المسألة في مجلس الوزراء.
في البدء، أثرت الأمر مع الرئيس الحريري، فانتهى النقاش بقوله: «إنك تبالغ وعليك أن تهدئ أعصابك». ثم فاتحت نائب رئيس مجلس الوزراء عصام فارس بالموضوع، فلمست منه تململاً وتساؤلات حول تطبيق قانون دمج المصارف، وخصوصاً أنه كان معنياً بالأمر (دمج مصرفه بمصرف آخر دون تدخل من البنك المركزي ودون تسهيلات مالية). يومها أوضح أن كلفة الدمج تصل إلى 1.5 مليار دولار.

الدعم للأثرياء
بعد فترة عُقدت جلسة لمجلس الوزراء في القصر الجمهوري تركّز البحث فيها على رواتب بعض المستخدمين والمياومين في بلديات ومؤسسات عامة. تحوّلت الجلسة إلى مباراة حول أفضل الطرق لضبط الإنفاق ومحاربة الهدر ومعالجة الدين العام. في تلك الجلسة طُرح موضوع مساعدة «تعاونيات لبنان» المتعثّرة. كان هناك رفض لمساعدة التعاونيات من وزير المالية ووزراء الليبرالية المتطرفة، فأدليت بوجهة نظري عن أسباب تعثّرها الكامن بسوء الإدارة والهدر والتزوير وتقصير الدولة. كان المدير العام للتعاونيات في وزارة الزراعة يوقع نظامياً ودورياً على الموازنة السنوية للمؤسسة ما أعطى انطباعاً للمساهمين بأن الأوضاع جيدة خلافاً للحقيقة، علماً بأن مساهمي تعاونيات لبنان، بأكثريتهم الساحقة، هم من كبار السن والمتقاعدين ومحدودي الدخل والمتدينين الذين فضلوا الانخراط في العمل التعاوني على إيداع أموالهم المحدودة في المصارف. ومما قلته في مجلس الوزراء: «الحقيقة المرة أن الدولة خَدَعَت، عبر المدير العام للتعاونيات، هؤلاء المساكين، ومع ذلك ها هي تمتنع عن تقديم سلفة لهم رغم أنهم خسروا جنى العمر بسبب وثوقهم بموقف ممثل الدولة. في المقابل لترى كيف تصرّفت (دولتنا العادلة) مع المصرفيين الذين خدعوا الدولة وخدعوا المواطنين وأساءوا الأمانة. لم تحرّك النيابة العامة لملاحقتهم وتحميلهم مسؤولية ما اقترفوا بل هرعت لمساعدتهم بمئات ملايين الدولارات تحت اعتبارات مختلفة منها استقرار القطاع المصرفي وكأن الحفاظ على هذا الاستقرار لا يكون إلا بمكافأة المسيئين والمضاربين والمغامرين».
لم يسأل أحد أو يستفسر باستثناء الرئيس إميل لحود: ماذا تعني بكلامك يا معالي الوزير؟ أجبت: «إنّي أعني كل كلمة قلتها. فالحكومة مسؤولة عن مصالح اللبنانيين جميعاً وليس عن مصالح فئة واحدة منهم . فإذا كانت معنية بالدفاع عن كل الفئات فهي معنية أكثر بشؤون الفقراء ومحدودي الدخل، حيث إن الأغنياء لا يحتاجون إلى الحكومة بقدر حاجة الآخرين إليها. لكن حتى هذه اللحظة، ومن دون الدخول في مواضيع الدين العام وخلافه، فإن هذه الحكومة تتصرّف كأنها معنية بمصالح الطبقات الميسورة أكثر من مصالح الطبقات الفقيرة والمحدودة الدخل بدليل أننا امتنعنا عن تأمين مبلغ 10 ملايين دولار سلفة لتعاونيات لبنان لإخراجها من عثرتها، في حين أننا نمنح مئات الملايين من الدولارات للمقتدرين والميسورين... هل تعلمون أن مئات الملايين تُصرف من دون العودة إلى مجلس الوزراء؟ منذ أسابيع تعثّر بنك معروف هو بنك بيروت الرياض، فقدم بنك آخر هو بنك بيروت عرضاً لدمجه. وافق البنك المركزي على العملية وقدم للبنك الدامج تسهيلات مصرفية بقيمة 600 مليار ليرة بفائدة مخفّضة 6% - 7% ولأجل يتعدّى عشر سنوات. هل علمتم بالأمر وهل تبلغ به مجلسكم الموقر بصفته أعلى سلطة في البلاد؟ أنا أفهم أهمية الحفاظ على سلامة القطاع المصرفي وأفهم أهمية المساعدة، لكني لست مقتنعاً بحجم المساعدة أو إطارها أو مسارها، ولا سيما أن الثمن المحتسب لـ100% من أسهم بنك بيروت الرياض هو 25 مليون دولار. لقد أجاز القانون 192/93 للبنك المركزي تقديم تسهيلات مالية لتشجيع عملية الدمج وليس تغطية إدارات مصرفية فاشلة تصرفت بودائع الناس وأساءت الأمانة».
الحكومة رفضت مساعدة تعاونيات لبنان بـ 10 ملايين دولار من أجل إنقاذ المساهمين المخدوعين ولم تتفوّه بكلمة واحدة لانتقاد منح المصارف 1500 مليون دولار عبر الدمج


ما حصل، وأخذاً في الاعتبار حجم القرض وما ينطوي عليه من فوائد متدنية ومهلة زمنية طويلة للسداد، يعني أن الدولة تساعد الأثرياء الذين انحرفوا وخالفوا. تساعدهم بلا حساب فيما هي لا تحسب حساباً لفقراء سقطوا فريسة الفقر والجوع لإيمانهم بالدولة والعمل التعاوني.
الرئيس لحود سأل وزير المال فؤاد السنيورة: «هل معك خبر؟». السنيورة: «كلا». ثم كرّر السؤال على وزير الاقتصاد والتجارة باسل فليحان: «هل أنت على اطلاع ؟»، فأجاب: «كلا». وبعد فترة صمت، وقف الرئيس الحريري وقال: «هناك مبالغ دُفعت في عملية الدمج المصرفي هذه، لكنها أقل من 200 مليون دولار». لم يعلّق أحد، ما دفعني إلى القول: «الامتناع عن محاسبة المسؤولين عن تعثّر المصارف يشجع غيرهم على سلوك هذا الطريق المريب ويثير البلبلة في الوسط المصرفي. أنا مع مبدأ المساواة والتوازي في تعامل الحكومة مع مختلف فئات المجتمع...».

شبكة المصالح
لم يتسرّب أي من هذا الكلام إلى الإعلام. من الطبيعي أن يمتنع الإعلام عن البثّ أو النشر، للعلاقات الوثيقة التي تربطه بأركان السلطة والطبقة المصرفية وحاكم البنك المركزي. وبعد ذلك، ساءت العلاقة مع الرئيس الحريري. أما الوزير فليحان فقال لي: «كيف تتوقع من الرئيس الحريري أن لا يغضب وأنت تتعرض في مجلس الوزراء لأخطر المواضيع وأكثرها حساسية؟». أجبته: «هل يجوز لنا كوزراء أن نسكت عما نراه خطأ بحجّة خطورة الموضوع المالي؟ ماذا عن المواضيع الأمنية والقضائية، هل نمتنع عن البحث فيها لأنها خطيرة؟ ما هي مهمة مجلس الوزراء إذاً؟».
لم يُطرح الموضوع مجدداً في مجلس الوزراء، بينما استمرّ الأخذ والردّ في موضوع التعاونيات (لم يعالج لغاية اليوم) تارة في مجلس الوزراء وطوراً في اللجان النيابية.

* مقتطف من ورقة أعدّها الوزير السابق بشارة مرهج عن عمليات الدمج وكيف تعاملت معها الحكومة والقوى السياسية بالتوازي مع إهمال مسألة تعاونيات لبنان



قدس الأقداس
بعد الحديث مع الرئيس الحريري، كان رفيقي معن بشور يلتقي به بناءً على موعد مسبق فبادره الرئيس قائلاً: «اسمع يا أخ معن، واسمع جيداً. الوزير بشارة مرهج يمكنه أن ينظم التظاهرات لدعم العراق. يمكنه أن ينظّم المؤتمرات لدعم فلسطين، يمكنه أن يعارض ويعترض في مجلس الوزراء، لكنه لا يستطيع التعرض للقطاع المصرفي. هذا القطاع هو قدس الأقداس بالنسبة إلى الاقتصاد اللبناني.


100 مليون دولار لـ MEA
مرّة دخل علينا رئيس الجمهورية الياس الهراوي متجهّم الوجه قائلاً في مستهل جلسة مجلس الوزراء: «إذا لم نتخذ الآن قراراً بتزويد شركة طيران الشرق الأوسط بـ100 مليون دولار فستغلق الشركة أبوابها غداً. إذا أردتم البحث في الأمر سنبحثه لاحقاً، لكن الآن لا وقت لدينا وعلينا اتخاذ القرار». برّر الرئيس الحريري الأمر بأنه يمكن حجز أي طائرة للميدل ايست في أي دولة بسبب اهتراء وضعها المالي وعدم قدرتها على سداد ديونها... الرئيس الهراوي اعتمد أسلوب الصدمة والرواية الدراماتيكية لانتزاع قرار يدعم شركة «الميدل ايست» لكنه طرح الأمر في وضح النهار وأمام السلطة العليا ولم يكتف بالتفاهم بينه وبين رئيس الحكومة، فكيف يتجرأ حاكم مصرف لبنان وحده على تجاوز كل الاعتبارات والقيام بهذا العمل الموارب الذي ينكشف لحظة طرحه للبحث؟


«إنك تبالغ لا تفقد أعصابك»
مقتطفات من الحوار مع الرئيس الحريري بشأن الدمج المصرفي، كما يرويها الوزير السابق بشارة مرهج:
- الأمر يتعلق بقانون دمج المصارف وكيفية تطبيقه. التطبيق الحالي لا يأخذ مجراه القانوني ويجب إعادة النظر فيه.
الرئيس الحريري: كيف ذلك، وماذا تعني؟
- المال العام يُدفع مجاناً من دون مقابل لأصحاب المصرف المتعثّر. وهؤلاء بدلاً من أن يخضعوا للمحاسبة يحصلون على مكاسب.
الرئيس الحريري: ماذا تقول؟
- لدينا بنك متعثر يحتاج إلى الدمج وبنك مليء ولديه سيولة يريد دمج المصرف المتعثر به، وهذا أمر مطلوب لسلامة القطاع المصرفي. لكن في حقيقة الأمر ما يثير الريبة لأن البنك المركزي يدفع أموالاً طائلة من دون أن يأخذ أي ضمانات عينية بالمقابل. أي أنه يدفع للبنك الدامج المبلغ المرقوم وليس كسلفة ميسرة دون أن يحصل على أسهم أو حصص بالمقابل. عملياً، هو يقدم هبات وليس تسهيلات، وهذا مخالف لكل الأصول والتقاليد المصرفية. فقانون دمج المصارف يتيح للبنك المركزي تقديم تسهيلات للبنك الدامج واستطراداً للبنك المتعثر لإنجاز عملية الدمج. ولكن لا أظن على الإطلاق أن المشترع أراد بالتسهيلات المصرفية تقديم مبالغ طائلة مجاناً. التسهيلات تتعلق بتخفيض سعر الفائدة إلى أدنى حد ممكن وإطالة مدة القرض لكن ضمن حدود معقولة. لكن المصرف المدموج الذي تعثر عليه مسؤولية والقانون يعتبره مؤسسة تجارية ويطلب من أصحابه المساهمة بأموالهم لسد العجز الذي أدى الى التعثّر. القانون لا يمكن أن يسكت على أصحاب المصرف ومديريه الذين تجاوزوا واستعملوا أموال المودعين للمضاربة أو لشراء العقارات أو الدخول بمغامرات تجارية لا علاقة لها بأصول العمل المصرفي. قانون دمج المصارف تحدث عن تسهيل دمج مصرفين، ولم يعف عن الجرائم، لأن المشرّع يدرك بأن عفواً كهذا يشجّع على السرقة والجريمة...
- هل تريد يا دولة الرئيس أن ترى الوثيقة التي تثبت كلامي وهي بين يدي؟
الرئيس الحريري: لا ضرورة لذلك ولكن يجب ان تأخذ في الاعتبار أهمية استقرار القطاع المصرفي وسلامة الاقتصاد اللبناني.
- هذا ما يجب أن نلتزم به، لكن السكوت على الانحراف يشجع على تكراره. والهبة المجانية لطرف تستتبع مثيلتها لطرف آخر. ثم إن المبلغ كبير ويكلف الخزينة 200 مليون دولار.
الرئيس الحريري: دعني أسأل رياض (سلامة). ثم أخذ الهاتف وطلبه فردّ الحاكم فوراً، وأقفل الخطّ وقال: معك حق، لكن المبلغ أقلّ من ذلك. حوالى 150 مليون دولار.
- إذا كانت عملية واحدة كلّفت 150 مليون دولار، فماذا عن مجمل العمليات الأخرى؟ وكم تكون كلفتها؟
الرئيس الحريري: إنك تبالغ وعليك أن تهدّئ أعصابك؟

محضر اجتماع مجلس إدارة بنك بيروت
محضر اجتماع مجلس إدارة بنك بيروت المنعقد بتاريخ 11 أيار 2002
في تمام الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح يوم السبت الواقع فيه 11 أيار 2002، وبناءً على دعوة الرئيس، عقد مجلس إدارة بنك بيروت اجتماعاً في مركز الإدارة العامة الكائن في فوش، وسط بيروت التجاري.
القرار الأول:
يقرّر مجلس الإدارة التوصية للجمعية العمومية غير العادية زيادة رأسمال بنك بيروت عن طريق تحويل جزء من الأرباح إلى رأس مال، وإصدار أسهم جديدة بقيمتها توزّع مجاناً على مساهمي المصرف، كل بنسبة مساهمته في رأس المال.
القرار الثاني:
يقرّر مجلس الإدارة دعوة الجمعية العمومية غير العادية لمساهمي بنك بيروت إلى الانعقاد في تمام الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم الخميس الواقع فيه 30 أيار 2002 في مركز الإدارة العامة في شارع فوش، وسط بيروت التجاري، وذلك من أجل درس وإقرار جدول الأعمال الآتي:
- تلاوة وإقرار تقرير مجلس الإدارة العام والخاص للسنة المالية 2001.
- تلاوة وإقرار تقرير مفوضي المراقبة العام والخاص للسنة المالية 2001.
المصادقة على الميزانية وحساب الأرباح والخسائر الموقوفين بتاريخ 31/12/2001.
- انتخاب مجلس إدارة جديد.
- إبراء ذمّة أعضاء مجلس الإدارة لإدارتهم البنك خلال السنة المالية 2001.
- منح أعضاء مجلس الإدارة التراخيص المنصوص عليها في المادتين 158 و159 من قانون التجارة والمادة 152 من قانون النقد والتسليف.
- تعيين مفوضي المراقبة لمدّة ثلاث سنوات وتحديد مخصصاتهم.
- أمور مختلفة.
القرار الثالث:
يقرّر مجلس الإدارة وضع تحت تصرف المساهمين في مركز الإدارة العامة الكائن في شارع فوش في وسط بيروت التجاري، جميع المستندات المنصوص عليها في المادة 197 من قانون التجارة، وذلك من أجل تمكينهم من الاطلاع عليها تمهيداً لانعقاد الجمعية العمومية العادية لمساهمي بنك بيروت المدعوة للانعقاد بتاريخ 23 أيار 2002.
القرار الرابع:
يقرّر مجلس الإدارة الموافقة على شراء بنك بيروت نسبة لا تقلّ عن 75% من أسهم بنك بيروت الرياض وذلك بهدف دمج هذا المصرف بصفته مصرفاً مندمجاً ببنك بيروت، بصفته مصرفاً دامجاً، على أن يتم هذا الشراء وفقاً للشروط الآتية:
- احتساب ثمن الشراء على أساس أن ثمن 100% من أسهم بنك بيروت الرياض هو 25 مليون دولار.
- تخصيص جزء من ثمن شراء أسهم بنك بيروت الرياض لتحرير قيمة أسهم جديدة تنتج من زيادة رأسمال بنك بيروت، يعطى حق الاكتتاب بها لبعض مساهمي بنك بيروت الرياض.
- منح مصرف لبنان بنك بيروت قرضاً ميسّراً بقيمة ستمئة مليار ليرة لبنانية وموافقة مصرف لبنان على الشروط الأخرى المطلوبة من بنك بيروت بالنسبة إلى عملية الشراء.
يفوّض مجلس الإدارة رئيسه و/أو أي شخص يعيّنه هذا الأخير جميع الصلاحيات لتحديد أية شروط أخرى لعملية الشراء المبيّنة أعلاه، ولتوقيع عقد الشراء وجميع المستندات المتمّمة له و/أو المتعلقة بالعملية المذكورة أعلاه كما يراه مناسباً.
ولما لم يعد من أمور مدرجة على جدول الأعمال، رفعت الجلسة ونظّم هذا المحضر.
التوقيع: أمين السر، الأعضاء، الرئيس سليم صفير
ملاحقة المخالفين: القدرة والرغبة
صدر قانون الدمج المصرفي 192 بتاريخ 14/1/1993 وجُدّد العمل به لمدّة خمس سنوات انتهت في 14/1/2003. يومها طُرح التجديد مرة أخرى، إلا أن الإجماع حوله تصدّع. أخذ نائب رئيس مجلس الوزراء عصام فارس الكلام في مجلس الوزراء قائلاً: «إذا كان ضرورياً مساعدة المصارف المتعثرة على الدمج فيجب تعديل المادة السادسة للتأكد مسبقاً من أن عمليات التمويل سليمة وعادلة وليست استنسابية أو مجحفة بحق الخزينة». وأضاف: «إذا كان حاكم البنك المركزي مقتنعاً بعمله واثقاً من نفسه فلماذا لا يعود إلى مجلس الوزراء (...) كذلك يجب تطبيق القوانين اللبنانية بحق المخالفين الذين يتوارون خلف عباءة الدمج. ولمّا كان البنك المركزي يملك مرونة كبيرة في تنفيذ قرارات الدمج في ظل القانون، فيجب أن تكون لديه القدرة والرغبة لملاحقة أصحاب ومديري المصارف المتعثّرة الذين خالفوا القوانين وهدروا أموال المودعين وأساءوا التصرف وأُثروا بطريقة غير مشروعة».
في 14/2/2005 أعيد العمل بهذا القانون بعد تعديلات تحدّ من السلطة المطلقة لحاكم البنك المركزي، وتطلب إليه ملاحقة المسؤولين إذا تبيّن وجود مخالفات للقوانين. ونصّت المادة 6 على أن «تحدّد آلية ومعايير القروض الميسرة بموجب نظام خاص يصدر بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المالية وبعد أخذ رأي المجلس المركزي لمصرف لبنان»، إلا أن هذا النظام لم يصدر إلا بعد مرور أربع سنوات، أي في 23 شباط 2009. وبصدوره في ظل الأزمة القائمة اليوم، هناك تساؤلات واسعة عما إذا كان القانون سيُطبق أم أن عمليات الدمج استُنفذت تحت سقف الاستنساب والمصالح القطاعية الضيقة؟
لذا، أدعو الرئيس فؤاد السنيورة الذي كان يسجّل محاضر جلسات مجلس الوزراء خلافاً لمعظم زملائه، أن يشرح للرأي العام عن حقيقة الأمر، وعن الكلفة التي طاولت خزينة الدولة من دون علم مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية، بالتفاصيل الدقيقة لهذه العملية التي كانت ضرورية وتمّت بكلفة عالية غير مبرّرة تعكس عقلية احتكارية استعلائية في إدارة شؤون الدولة، بل أعطت انطباعاً للمصرفيين الفاسدين أنهم بمأمن من المساءلة والمحاسبة عن أخطائهم الجسيمة بل وعن جرائمهم المتعمدة. بمراجعة قانون النقد والتسليف تبيّن أن المادة 43 منه تنصّ على ما يلي: «تُبلغ فوراً إلى مفوض الحكومة لدى البنك المركزي قرارات المجلس المركزي وله خلال اليومين التاليين للتبليغ أن يطلب من الحاكم تعليق كل قرار يراه مخالفاً للقانون والأنظمة ويراجع وزير المالية بهذا الصدد. وإذا لم يبتّ الأمر خلال خمسة أيام من تاريخ التعليق يمكن وضع القرار موضع التنفيذ». وتضيف المادة 44: «لمفوض الحكومة ولمساعده حقّ الاطلاع على جميع سجلات المصرف المركزي ومستنداته الحسابية باستثناء حسابات وملفات الغير الذين تحميهم السرية المصرفية المنشأة بقانون 3 أيلول 1956». كذلك تمنح هذه المادة المفوض ومساعده «التدقيق في صناديق المصرف المركزي وموجوداته»، لكن «من دون أن يتدخلا، بأي صورة، في تسيير أعمال المصرف المركزي». والمادة 45 من القانون تقول إن مفوض الحكومة «يطلع وزير المالية والمجلس، دورياً ، على أعمال المراقبة التي أجراها. كما يطلع وزير المالية بعد قفل كل سنة مالية على المهمة التي قام بها خلال السنة المنصرمة، بموجب تقرير يرسل نسخة عنه إلى الحاكم».
في المحصلة، مفوّض الحكومة مطلع حكماً على قرارات المجلس المركزي المتعلقة بالدمج المصرفي، ووزير المالية ليس كالأطرش في الزفة.