وقّعت عشرون شخصية اقتصادية أكاديمية في إيرلندا وثيقة تطالب بتأميم المصارف مشيرة إلى أن الحكومة أخطأت بشدّة عندما قرّرت سلوك طريقة "ناما" (وكالة إدارة الأصول الوطنية التي خلقتها الحكومة الإيرلندية في أواخر 2009 من أجل مواجهة الأزمة المالية والفقاعة العقارية) لتنظيف الفوضى المصرفية التي خلقتها فقاعة العقارات: التأميم الموقّت والشامل للمصارف هو الطريقة الوحيدة لذلك.
نص الوثيقة
على مدى الشهر الأخير، حصلت تغييرات غير عادية في المشهد المالي والمصرفي الإيرلندي. نعتقد أننا الآن في مرحلة حرجة في تاريخ الاقتصاد الإيرلندي. ومن المهم أن تسير الحكومة على الطريق الصحيح في معالجة مشاكل القطاع المصرفي.
هناك قناعة بأن القطاع المصرفي توقّف عن الإقراض على نطاق واسع. بمعزل إذا كانت هذه القناعة صحيحة أم خاطئة، فإن الأمر يجب معالجته. نعتقد أن الإجراء الصحيح الذي يجب اتخاذه الآن هو تأميم القطاع المصرفي، أو ما هو مرتبط بالأزمة على الأقل.
هذه النصيحة غير مبنية على موقف أيديولوجي. ففي الظروف العادية، لن يوصي أي منا بتأميم المصارف، لكننا اليوم بعيدون جداً عن الظروف العادية، ونعتقد أنه في ظل الظروف الحالية أصبح التأميم هو الخيار الأفضل المتاح للحكومة.

(داريو كاستيليخوس ــ المكسيك)

كذلك، ننصح بالتأميم كإجراء موقّت فقط. بمجرد التنظيف، وإعادة الرسملة، وإعادة التنظيم عبر هيكلية إدارية جديدة، وربما إعادة تسويق، نوصي بإعادة المصارف إلى الملكية الخاصة.
عندما قدّم وزراء الحكومة، وبيتر بايكون، والاستشاري المكلف من الحكومة، اقتراحاً للوكالة الوطنية لإدارة الأصول (ناما) يشير إلى أن خطّتهم ستكون نتائجها أفضل بكثير من التأميم، فإننا نختلف معهم بشدّة، لأن التأمين برأينا هو النتيجة الحتمية لإعادة الرسملة المطلوبة للمصارف وهي تتم بشروط عادلة لدافعي الضرائب.
يمكننا تلخيص مقاربة التأميم ضد مقاربة الحكومة المتمثّل في إعادة الرسملة المحدودة وإدخال وكالة إدارة الأصول لإنقاذ المصارف، تحت أربعة عناوين:
نحن نعتبر أن التأميم سيحمي مصالح دافعي الضرائب بشكل أفضل، وينتج حلاً أكثر فاعلية وأطول أمداً لمشاكل القطاع المصرفي، ويكون أكثر شفافية لجهة تسعير الأصول المتعثّرة، ويكون أكثر احتمالًا لإنتاج نظام مصرفي محرّر من السمعة السيئة التي استحقتها المؤسسات المالية بجدارة.

حماية دافعي الضرائب
مصارفنا منحت الكثير من القروض الرديئة وخصوصاً لتجار العقارات. تحقيق هذه الخسائر سيؤدي إلى تآكل كبير في قاعدتها الرأسمالية. تشترط المعايير المالية الدوليّة نسباً معينة من معدلات كفاية رأس المال لتكون المصارف قادرة على العمل. وبالإضافة إلى ذلك، فمع تصاعد الركود، ستصبح الكثير من القروض الاستهلاكية والتجارية مصنّفة (معدوم)، ما يعني أن المصارف ستحتاج إلى رساميل جديدة لتعويض الخسائر المتوقّعة من القروض. في ظل الظروف الحالية تعتبر الحكومة الإيرلندية هي المستثمر الوحيد المستعد لتوفير هذه الرساميل.
الحكومة وضعت "ناما" كأداة لسحب القروض الرديئة من المصارف بسعر مخفّض، إلى حدود تسجيل الخسائر الناتجة من هذه القروض وانعكاسها على رساميل المصارف، ثم أبدت الحكومة استعدادها لتوفير رساميل مقابل الأسهم. والأهم من ذلك أن التقديرات الحكومية تشير إلى أن الخسائر مخففة جداً، ما يعني أن الأمر قد ينتهي إلى تمويل إضافي مقابل الأصول السيئة.
على سبيل المثال، هناك مصرف AIB وبنك إيرلندا. قدّر المحلّلون مراراً وتكراراً حجم القروض المتعثّرة في هذه المصارف بما لا يقل عن 20 مليار يورو. من شأن خسائر بهذا الحجم أن تقضي فعلياً على كامل رساميل هذه المصارف البالغة 27 مليار يورو. وهذا يعني أنه إذا اشترت الحكومة هذه القروض بالقيمة السوقية العادلة، فسيترتب عليها توفير أموال لإعادة بناء كامل الرساميل، وبالتالي سينتهي الأمر بالملكيّة الكاملة لهذه المصارف.
لذا، هناك تناقض أساسي في موقف الحكومة. تدّعي أنها تستطيع في وقت واحد: (أ) شراء القروض الرديئة بسعر يعكس قيمتها السوقية الحقيقية؛ (ب) الاحتفاظ بالمصارف بشكل جيد؛ (ج) إبعادها عن ملكية الدولة.
هذه النتائج الثلاث هي ببساطة غير متلائمة، ونحن قلقون للغاية من أن وكالة إدارة الأصول قد تعمل للحفاظ على بلوغ الأهداف الثلاثة عبر الفشل في تلبية الشرط الأول. يحصل ذلك إذا اشترت الوكالة القروض الرديئة بحسم، إلا أنها ستكون أعلى من القيمة السوقية.
شراء قروض بقيمة 90 مليار يورو يرتب عواقب بالغة على دافعي الضرائب من خلال تمويل إضافي لشراء الأصول السيئة بنسبة تتراوح بين 10% و30%. لوضع هذه الأرقام في نصابها الصحيح، المفاعيل في سنة كاملة حفظ الخزينة من إنفاق مبلغ 5 مليارات يورو.
بيتر بيكون وآخرون يعتقدون أنه ليس مهماً من يملك المصارف على اعتبار أن هيكلة الملكية لا يغير الحجم الأساسي لخسائر القروض. هذه حجة واهية.
لا أحد يدّعي أن التأميم يغيّر الخسائر، لكن ما سيتغير هو من يملك الأسهم الذي طالب أولاً بزيادة قيمتها بعد إعادة الرسملة. إذا تم تأميمه، فسيحقّق دافع الضرائب عائداً على الاستثمار في الأسهم بعد بيع المصارف للقطاع الخاص في غضون بضع سنوات، وهذا من شأنه أن يخفض الكلفة الأساسية لدافعي الضرائب إلى حد كبير.
كذلك، فإن التأمين يوفّر فرصة، إذا ارتأت الحكومة، المشاركة مباشرة مع دافعي الضرائب في استعادة الصحة المصرفية. قد تنطوي هذه العملية على فرصة لتوفير حوافز اقتصادية من دون كلفة جديدة على الخزينة.

المزيد من الحلّ الأخير
مع تكليف وكالة إدارة الأصول ضمن الأهداف الثلاثة المتناقضة يمكن ألا يتحقق هدف إعادة الرسملة بالكامل. بعبارة أخرى فإنه يجب أن تعمل الحكومة لشراء الأصول السيئة بحسم معقول من دون أن ترغب في الحصول على حصة كبيرة في الملكية، وقد ينتهي بها الأمر إلى تقليل برنامج إعادة الرسملة. وبالتالي، بدلاً من إنشاء مصارف تتمتع بالصحة الكاملة وقادرة على العمل من دون مساعدة الدولة، قد تؤدي هذه العملية إلى بقاء مصارف الزومبي التي لا تزال تتطلّب آلة دعم الحياة التي ترعاها الدولة وهي ضمان المسؤولية.
بمجرد التأميم في ظل وعود بإيرادات مستقبلية للدولة، سيكون الحافز للحكومة إنشاء مصارف برساميل يمكن خصخصتها بأسرع وقت ممكن. التأميم الكامل الآن سيؤدي إلى إخراج الدولة من تدخّلها في الأعمال المصرفية بشكل أسرع من النهج الحالي الذي تتبعه الحكومة. في المقابل، فإن الظروف التي تتطلب رسملة بالتقسيط ستكون الأسوأ في جميع النتائج الممكنة.

الشفافية
تطرّق بيتر بيكون ووزراء الحكومة إلى ضرورة إبقاء المصارف خارج القطاع العام حتى تكون العملية شفّافة. الحقيقة هي العكس تماماً. كل يورو إضافي تنفقه الدولة لشراء الأصول السيئة يذهب إلى المساهمين الحاليين. شراء الأصول السيئة سيكون عبارة عن عملية مثيرة للجدل. بعض المحللين يعتبرون أنه يجب شطب ما بين 15% و50% من قيمة هذه الأصول. مع ذلك، فإن تسعير هذه الأصول، سواء من خلال شركات المحاسبة، أو المزادات، أو المستشارين الاقتصاديين، فمن غير المرجح أن تعتبر شفّافة وعادلة.
بدلاً من إنشاء مصارف تتمتع بالصحة الكاملة وقادرة على العمل من دون مساعدة الدولة، قد تؤدي هذه العملية إلى بقاء مصارف الزومبي التي لا تزال تتطلّب آلة دعم الحياة


في المقابل، لا يتطلب التأميم عملية تسعير للأصول تثير الجدل. لا يزال ممكناً أن يشمل التأميم المصارف و"ناما" أيضاً إذا كانت الحكومة تعتقد أنه من الأفضل إلغاء بعض القيود من الدفاتر أو شطب قيمتها بحسب السعر السوقي. في هذه الحال، ستمتلك الحكومة ناما والمصارف، وبالتالي لن يكون مهماً التسعير. التجربة السويدية للمصارف السيئة انطوت على مجلس تقييم الأصول الذي حدّد سعر الأصول المنقولة من المصارف المؤمّمة من دون أي مشاكل.
والحجة ذات الصلة التي أثارها المسؤولون الحكوميون ضد التأميم هي أنها ستزيل وظيفة سوق الأوراق المالية ومراقبة السوق فضلاً عن أن ملكية الحكومة للمصارف تثير الشكوك بشأن جودتها، إلا أن تجربة السنوات الأخيرة تثير الشكوك حول قدرة الأسواق على المراقبة الفعّالة للمؤسسات المالية.

السمعة السامة
من المرجّح أن خطة الحكومة تقضي ببقاء إدارات المصارف الحالية. فعلى سبيل المثال، من شأن حسومات صغيرة على قروض معدومة أن تسمح لمصرف إيرلندا الحفاظ على مستويات الرسملة من دون الحصول على تمويل إضافي من الحكومة أكثر من الـ3.5 مليارات يورو التي حصل عليها بالفعل. هذا النوع من التغيير التدريجي لن يفعل الكثير لاستعادة السمعة المدمّرة للمصارف الإيرلندية. سيكون صعباً تجنّب ادّعاءات الرأسمالية الوخيمة والدوائر الذهبية، إذا كانت مليارات الدولارات تودع في المصارف مع الحدّ الأدنى من التغييرات في هيكلها الإداري.
يوفر التأميم الفرصة لبداية جديدة للخدمات المصرفية الإيرلندية. ينبغي أن تدير الدولة المصارف المؤمّمة موقّتاً باعتبارها عمليات مستقلّة نصف حكومية ترأسها مجالس مستقلة للغاية تضمّ كبار الشخصيات بأقصى درجات النزاهة. يجب محاسبة الرؤساء التنفيذيين لهذه المصارف. هذا الأمر سيؤدي إلى تغيير في القيادة التنفيذية للمصارف لتحسين ممارسات إدارة المخاطر، واستعادة العلامة التجارية للمصارف والمالية الإيرلندية، وإعادة المصارف إلى الملكية الخاصة في إطار زمني قصير إلى حد معقول ، لأعلى سعر ممكن للسهم.
نعتبر أن نهج الحكومة المتمثّل في إعادة الرسملة المحدودة عبر "ناما" ليس سوى حل جزئي لن يحمي دافعي الضرائب، بل إن تأميم المصارف مع تفويض لإعادة هيكلتها والتعويض بعد بيعها سيكون نهجاً مفضلًا في هذا الوقت.

* نُشر في أيريشتايمز