هناك ثغرة في عقود الاستكشاف الموقّعة بين الدولة اللبنانية و«توتال - ايني - نوفاتيك» تتعلّق بمسألة استخدام اللبنانيين. يتعلق الأمر بمدى إلزام الشركات المستكشفة، باستخدام اللبنانيين. فالعقد لم يحسم مطلقاً مسألة تشغيل اللبنانيين وإن نصّ على أن تكون نسبة اللبنانيين 80%، إلّا أنه أعطى الشركات في المقابل، هامشاً واسعاً في الاعتماد على توظيف غير اللبنانيين مقابل شرح خطّي لوزير الطاقة! هذا النوع من العقود يثير أسئلة واسعة عن الشفافية المطلوبة من الدولة اللبنانية في التعامل مع الشركات المستكشفة، بحسب ورقة عمل أعدّها غسان الهبر: فما هي الإجراءات والتدابير التي اتّخذتها الدولة اللبنانية لتطبيق مسألة تشغيل اللبنانيين بنسبة 80%؟ وما هي الإجراءات التي اتُّخذت من أجل تطبيق برامج التدريب للبنانيين التي نصّت عليها العقود؟ هل ما قيل عن خرق نسبة تشغيل اللبنانيين صحيح؟تشير المادة 20 من اتّفاقية الاستكشاف إلى أنّه على أصحاب الحقوق «تطوير وتنفيذ برنامج فعّال لاستخدام وتدريب العاملين اللبنانيين وفقاً للقانون رقم 2010/132 (قانون الموارد البترولية في المياه البحرية) المرعي الإجراء وهذه الاتفاقية». واعتباراً من بداية مرحلة الاستكشاف، «يجب أن يكون ما لا يقل عن 80٪ من العدد الإجمالي للأجراء العاملين لدى أصحاب الحقوق (بمن في ذلك المشغل) من الجنسية اللبنانية».


أمّا قبل بدء مرحلة الاستكشاف، فمن الواجب «على أصحاب الحقوق والمقاولين والمقاولين الثانويين الذين تعاقدوا معهم وفقاً لما هو منصوص عليه في المادة 67 من القانون رقم 2010/132، الوصول إلى حدّ الـ80٪ في أقرب وقت ممكن، بالقدر الذي يكونون فيه قادرين على استخدام عدد كافٍ من اللبنانيين المتمتّعين بالمواصفات المطلوبة»، على أن يزيدوا «نسبة اللبنانيين العاملين لديهم إلى أكبر حدّ ممكن، بشرط التزامهم بالقيام بالأنشطة البترولية وفقاً لأفضل المعايير العالمية لصناعة البترول». أمّا في حال كان «مجموع العاملين اللبنانيين أقلّ من 80٪، وذلك في بداية مرحلة الاستكشاف أو في أيّ وقت آخر بعد ذلك، يتوجّب على أصحاب الحقوق أن يُقدّموا للوزير بالأصالة عن أنفسهم وبالنيابة عن المقاولين والمقاولين الثانويين الذين تعاقدوا معهم شرحاً خطيّاً عن الأسباب التي منعتهم من الالتزام بهذا الموجب».
ويُشير البند الثاني من المادة 20 إلى أنّ المُشغّل يستخدم «ويُلزم جميع المقاولين والمقاولين الثانويين باستخدام عاملين مؤهّلين من الجنسية اللبنانية لدى توافرهم.
ويموّل أصحاب الحقوق تدريب العاملين اللبنانيين في ما خصّ الأنشطة البترولية. ويجب أن تتضمن كلّ خطة استكشاف وخطة تطوير وإنتاج خطّة لتوظيف وتدريب أشخاص من الجنسية اللبنانية، بما في ذلك استخدام وتدريب العاملين في الإدارة والهندسة والعاملين الممتهنين الآخرين، بما يتوافق مع برنامج التوظيف والتدريب بالاستناد إلى المادة 20.1 من هذه الاتفاقية».


التشكيك بتطبيق هذا البند في العقود، يستند إلى وقائع وتجارب في العديد من الدول النفطية التي أصابها «سوء إدارة» و«فساد» تحكّما في إدارة القطاع، بحسب ورقة أعدّها غسان الهبر بعنوان «الفرص التجارية والمهنية في قطاع الغاز والنفط في لبنان». وهذا الأمر كان بقيادة النخبة السياسية الحاكمة في تلك البلدان، ما أدّى إلى حصر وتقلّص المفاعيل المفترضة على الاقتصاد الوطني وعلى معدّلات التوظيف في قطاع النفط. في بعض هذه الدول لم يلحظ المقيمون تغيّراً كبيراً في نوعية المعيشة ولم يلحظوا ازدهاراً كان يمكن أن تخلقه الريوع الناتجة من النفط.
بمعنى آخر، الكلام هنا يشير إلى أن الطبقة السياسية الحاكمة كانت لديها القدرة على الاستحواذ على حصّة أكبر من ريوع النفط من خلال إمساكها بمفاصل السلطة وإدارة القطاع بما يتلاءم مع سياسات سابقة أدّت إلى تركّز في الثروة بيد القلّة على حساب الغالبية. هذه المخاوف جديّة في بلد مثل لبنان حيث تركّز الثروة مرتفع جداً في ظلّ انعدام السياسات الضريبية التي تنظّم عملية إعادة التوزيع بشكل عادل، وفي ظلّ سياسات اقتصادية صُمّمت بهدف تركيز الثروة في القطاع المالي وإقصاء القطاعات الاقتصادية الأخرى عن النموّ المرتفع، لا بل إن مستوى الرواتب والأجور في القطاع المالي كان متدنيّاً بشكل عام. إحصاءات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عن الأجور المصرّح عنها في القطاع المصرفي والمالي تشير إلى أن 76.8% يتقاضون أقل من 5 ملايين ليرة شهرياً، و44% يتقاضون أقل من 2.5 مليون ليرة شهرياً، مقابل 6.5% يتقاضون رواتب تفوق 10 ملايين ليرة شهرياً، و16.6% يتقاضون رواتب بين 6 ملايين ليرة و10 ملايين ليرة شهرياً.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره


أنقر على الرسم البياني لتكبيره

ويشير الهبر إلى أن الفرص المهنية في قطاع الغاز والنفط تبلغ 2000 موظّف لإنتاج 100 ألف برميل يومياً. هذه الوظائف ستكون متاحة خلال فترة أقصاها 5 سنوات. كذلك ستكون هناك فرص عمل في قطاعات مرتبطة، مثل: الصناعة، البناء، الزراعة، الصحة، التعليم، السياحة...
على أيّ حال، يعتقد الهبر أن مبيعات الغاز «ستبدأ بعد خمس سنوات، إلّا أنّه ستنشأ العديد من فرص العمل والمشاريع الاقتصادية قبل ذلك». مُضيفاً أنّ هذا القطاع سيشهد وفرةً في الفرص التجارية والصناعية «وطفرةً في تدفّقات الاستثمار الأجنبي المباشر في الغاز والنفط، وما يرتبط بهما من خدمات في البلد، ما سيؤدي إلى قفزة في معدّلات نمو الناتج المحلي الإجمالي».
يمكن للشركات تبرير امتناعها عن توظيف اللبنانيين للوزير خطياً عن أنفسهم ونيابة عن المقاولين

وانعكاس ذلك على اللبنانيين لن يُحصر في الوظائف، «بل في الإنفاق العام على البنية التحتية والبرامج الاجتماعية، نتيجة الارتفاع في إيرادات الدولة». وبالاستناد إلى التقديرات التي تشير إلى أن لدى لبنان احتياطات نفط وغاز بقيمة «أكثر من تريليون دولار أميركي»، فإنّ هذا الأمر يخلق فرصة «للتوقف عن الاعتماد شبه التام على تحويلات المغتربين، وفرض الضرائب، وإيرادات السياحة الموسمية، والانتقال إلى بناء اقتصاد مستقر وقوي، مدعوم من قطاع الغاز والنفط»، فضلاً عن أنه قد تكون البداية، لـ«تطوّر صناعة البناء وسوق العقارات ومجالات الزراعة والصحة والتعليم والسياحة».
الرهانات على النفط والغاز، لا تنحصر فقط في تقليص الاعتماد على الموارد الخارجية، أو المساهمة في انخفاض كلفة الدين العام، وارتفاع الناتج المحلي، بل في خلق نسبة كبيرة من فرص العمل، خلال فترة تمتدّ من ثلاث إلى خمس سنوات. يعتقد الهبر أن الطلب الأكبر سيكون على أصحاب الاختصاصات الهندسية والمهنيين والمُتدربين تدريباً مهنياً.

تابع صفحة «ملحق رأس المال» على فايسبوك