يقدّم قطاع الخلوي نموذجاً فاقعاً عن الشراكة مع القطاع الخاص في لبنان، التي تُسفر عادة عن أسوأ الخدمات في مقابل أعلى الأسعار.
سيليس وليبانسل
عام 1994، أبرمت الحكومة اللبنانية عقدي BOT مع فرانس تلكوم (أسّست شركة «سيليس» مع مجموعة ميقاتي) وتلكوم فنلند (أسّست شركة «ليبناسيل» مع مجموعة دلول)، لإنشاء شبكتي الخلوي وتشغيلهما لمدّة عشر سنوات. يوثّق تقرير مرفوع إلى النيابة العامّة عام 2009، تفاصيل عن مراحل العقد ومخالفات فيه سمحت للشركتين بتحقيق أرباح طائلة من المال العام، إذ يقدّر التقرير الأموال التي لم تدفعها الشركتان للدولة كضرائب وإيرادات مُستحقّة بأكثر من 600 مليون دولار.


في الواقع، بدأت الشركتان أعمالهما عبر استيفاء مبلغ 500 دولار من كلّ مَن يرغب بالاشتراك في الشبكتين، واعتبرت هذه المبالغ بمثابة أمانة، وبلغ مجموعها المُصرّح عنه نحو 200 مليون دولار، جرى استعمالها في بناء الشبكتين. كذلك أُخضِع العقد لتعديلات عدّة، وبنت الشركتان احتكاراً باتفاقهما على الأسعار والخدمات للحدّ من أي منافسة. اضطرت الحكومة إلى فسخ العقد واسترداد الشبكتين عام 2002، لكن بدلاً من إلزام الشركتين دفع المتوجّب عليهما، حصل العكس، إذ دفعت الدولة اللبنانية تعويضات للشركتين قيمتها نحو 180 مليون دولار، وتركتهما تديران الشبكتين حتى عام 2004.

ألفا وتاتش
عام 2004، أبرمت الحكومة عقدي شراكة لإدارة وتشغيل شبكتي الخلوي مع شركتي «زين» الكويتية و«فال ديتي» الألمانية، التي استُبدلت عام 2008 بـ«أوراسكوم» المصرية بعد مغادرة مديرتها العامّة لبنان بصورة مفاجئة ولأسباب لا تزال مجهولة. وعلى الرغم من الصفة المؤقّتة للعقدين المُبرمين، إلّا أن الوضع لا يزال مستمرّاً حتى اليوم، وتحوّل القطاع إلى ثالث أكبر مصدر لإيرادات الخزينة. عام 2012، تمّ تجديد عقدي الشراكة بقرار صادر عن مجلس الوزراء ومن دون أي مناقصة، وكذلك عدّلت شروطهما بما لا يُرتّب أي أعباء على الشركتين مع تحويل كلّ القرارات المتعلّقة بالإنفاق إلى وزير الاتصالات. ومع ذلك، استمرّت وزارة الاتصالات بدفع أجرة سنوية بقيمة 17 مليون دولار للشركتين من دون قيامها بأي عمل سوى التحوّل لغطاء لإنفاق مُسرف.