كان صندوق النقد الدولي واضحاً في آخر مدوّناته. فقد أعرب عن قلق واضح من بلوغ «القروض العالية المخاطر» مستويات خطيرة عالمياً. وهذه القروض التي عادة ما تنظّمها مجموعات مصرفية، تُمنح لشركات عالية المديونية أو لديها تصنيفات ائتمانية منخفضة. وتسمّى «عالية المخاطر» لأن نسبة الديون المترتبة على المقترض إلى الأصول التي يملكها أو الأرباح التي يحقّقها تتجاوز إلى حدّ كبير معايير القطاع. ويبلغ مستوى هذه القروض عالمياً الآن 1.3 تريليون دولار، بحيث أصبح مستوى الإصدار السنوي لهذه القروض مطابقاً لمستواه ما قبل أزمة عام 2007. يقول صندوق النقد الدولي في مدوّنته «مع انخفاض معدّلات الفائدة إلى مستويات شديدة لسنوات، ومع تدفّق أموال وافرة إلى داخل النظام المالي، يتسامح المستثمرون المتعطّشون لجني الأرباح مع مستويات من المخاطر أعلى من أي وقت مضى، ويراهنون على أدوات مالية عادة ما يتجنّبونها في أوقات أقلّ ذبذبة». فنحو 70% من هذه القروض موجودة في الولايات المتّحدة، ما يعني أن خطر حدوث أزمة ائتمانية هناك أعلى من أماكن أخرى. وأكثر من نصف القروض في هذا العام سُحبت لتمويل عمليات استحواذ ودمج وشراء بالارتهان وتسديد أرباح وإعادة شراء أسهم من مستثمرين، أي بعبارة أخرى لأهداف تنطوي على مخاطرة مالية بدلاً من استثمارات منتجة.

وعلى رغم أن أرباح الشركات في الولايات المتّحدة ارتفعت كثيراً عام 2018، إلّا أن حصّة الشركات التي زادت ديونها على أرباحها خمس مرّات, ارتفعت إلى مستوى أعلى من عام 2007.
تتضمّن الصفقات الجديدة أيضاً عدداً أقل من الضمانات للمستثمرين وقدرة أقل على امتصاص الخسارة. وهذا العام، تشكّل القروض المنخفضة الضمانات 80% من القروض الجديدة التي جرى ترتيبها للمقرضين من غير البنوك (الذين يطلق عليهم «المستثمرون المؤسّساتيون»)، بالمقارنة مع 30% في عام 2007.
ومع ارتفاع المخاطر، وضعف الحماية للمستثمرين وتآكل الملاءة المالية، انخفضت معدّلات استرداد القروض المتعثّرة إلى 69% من معدّلاتها قبل الأزمة والتي بلغت 82%. أي إن أي موجة تخلّف كبيرة عن سداد الديون سيكون وقعها شديداً على الاقتصاد «الحقيقي».
عام 2007، تفاقمت أزمة الديون بسبب النمو الهائل للمشتقّات الائتمانية التي تصدرها جهات غير مصرفية يطلق عليها اسم «بنوك الظل» التي لا تخضع لضوابط البنوك المركزية. ومجدّداً تلوح اليوم أزمة الديون في نطاق بنوك الظل. فهذه المؤسّسات تحتفظ الآن بنحو 1.1 تريليون دولار من القروض المستحقّة في الولايات المتّحدة، أي ما يقارب ضعف مستوى ما قبل الأزمة. يضاف إلى ذلك 1.2 تريليون دولار من الديون القائمة ذات العائد المرتفع أو السندات العالية المخاطر. وتشمل المؤسّسات غير المصرفية كل من صناديق القروض المشتركة وشركات التأمين وصناديق المعاشات التقاعدية والتزامات القروض المضمونة CLOs التي «تحزم» القروض ثمّ تعيد بيعها لمستثمرين آخرين. وتشكّل الأخيرة أكثر من نصف إجمالي إصدارات القروض العالية المخاطر. وقد نمت صناديق القروض المشتركة (يلجأ إليها المدّخرون المتوسّطو الحال من خلال مصارفهم) التي تستثمر في القروض العالية المخاطر من أصول بلغت 20 مليار دولار تقريباً عام 2006 إلى نحو 200 مليار دولار هذا العام، وهو ما يمثّل أكثر من 20% من القروض القائمة.

يمكن خدمة كلّ هذا الدين ما دامت الأرباح تتدفّق إلى الشركات ومعدّل الفائدة على الدين لا يرتفع كثيراً. ويبدو أن أرباح الشركات قوّية حتّى الآن، على الأقل في الولايات المتّحدة. ففي آخر بيانات الأرباح الصادرة عن 85 إلى 90% من الشركات الأميركية، ارتفعت أرباح الشركات نحو 27% عن الفترة نفسها من العام الماضي (على رغم ارتفاع عائدات المبيعات بنسبة 8% فقط). كذلك بلغت نسبة نمو عائدات مبيعات الشركات الأميركية أعلى بنسبة 20% من مثيلاتها في أوروبا واليابان، بينما نمت الأرباح أعلى بضعفين إلى ثلاثة. ويؤشّر ذلك على أن الأرباح الأميركية تضخّمت بفعل خفض الضرائب على الشركات في عهد ترامب.
بالإضافة إلى ذلك، قادت أرباح قطاع النفط والطاقة هذا النمو، بعد ارتفاع أسعار النفط خلال العام الماضي. وأخيراً، هبطت أسعار النفط بنحو خطير مع ارتفاع المخزون (الإنتاج في الولايات المتّحدة). ومن شأن ذلك أن يقلّص إسهام قطاع الطاقة الضخم في نمو الأرباح.
في كلّ الأحوال، إن الأرباح المُعلنة من قبل الشركات مضلّلة، ولا يمكن معرفة مستواها الحقيقي إلّا من خلال البيانات الأوسع المتوافرة في الحسابات القومية الرسمية. ولم يكن التناقض بين الأرباح المُرتفعة المُسجّلة هناك وتقارير أرباح الشركات بهذا الاتساع منذ فقّاعة الإنترنت عام 2000، التي تنبّأت بالركود الاقتصادي المعتدل عام 2001. فبينما ترتفع أرباح الشركات الأميركية المُسجّلة للسهم الواحد بنحو متسارع، تبقى أرباح «الاقتصاد ككلّ» مسطّحة.


الجزء المتحرّك الآخر هو كلفة الاقتراض. فزمن معدّلات الفائدة المنخفضة الذي دام عقداً، قد ولّى مع مواصلة الاحتياطي الفدرالي تطبيق سياسة رفع معدّل الفائدة.
وقد حدّد الاحتياطي الفدرالي سقفاً لجميع معدّلات الفائدة على الإقراض، ليس في الاقتصاد الأميركي فحسب، بل في الخارج أيضاً متى ما كان الإقراض بالدولار.
وكما شرحت في مقالات سابقة، من شأن سياسة الاحتياطي الفدرالي رفع الفائدة على الإقراض أن تزيد عبء خدمة دين الشركات، ولا سيّما الشركات التي لجأت إلى القروض والسندات العالية المخاطر. وهنا تكمن نواة الركود في المستقبل.

* Michael Roberts Blog
* ترجمة: لمياء الساحلي



أنقر على الرسم البياني لتكبيره


أنقر على الرسم البياني لتكبيره


أنقر على الرسم البياني لتكبيره


أنقر على الرسم البياني لتكبيره