في عام 1845، وصّف فريدريك إنجلز الظاهرة التي أدّت إلى وفاة المقيمين من الطبقة العاملة في مانشستر، قبل الأوان، بسبب ظروف معيشتهم وعملهم. ولم يكتفِ بتسمية هذه الواقعة وفقاً للأسلوب المعتمد راهناً، أي بالإشارة إلى أنها «وفيات مبكرة بسبب الظروف المؤسفة»، بل صاغ مصطلح «القتل الاجتماعي» لتوضيح مصدر هذه الوفيات المبكرة. الاقتباس التالي المستخرج عن «حالة الطبقة العاملة في إنكلترا»، يستدعي الانتباه بشكل دقيق إلى أجندة التقشّف الخاصة برئيس الوزراء (في مقاطعة أونتاريو) دوغ فورد.
«عندما يقوم شخص ما بإلحاق إصابات جسدية بشخص آخر، وتؤدّي إلى وفاته، فإننا ندعو ذلك بالقتل الخطأ، وعندما يعلم المعتدي مسبقاً أن الإصابة ستكون قاتلة، فإننا ندعو ذلك بالقتل المتعمّد. لكن عندما يضع المجتمع المئات من العمّال (البروليتاريا) في ظروف تجعلهم حتماً يموتون مبكراً وبصورة غير طبيعية، فهو موت مماثل للموت الناتج عن العنف أو الموت بالسيف أو برصاصة، وعندما يحرم المجتمع الآلاف من ضرورات الحياة، ويضعهم تحت ظروف لا يستطيعون العيش فيها، ويجبرهم من خلال ذراع القانون القوية على البقاء في هذه الظروف حتى الموت، وهو أمر حتمي، يعني أنه يدرك تماماً أن أولئك الآلاف من الضحايا سيهلكون، ومع ذلك يسمح ببقاء هذه الشروط. لذلك ما يفعله المجتمع هو القتل تماماً كما قد يفعل أي فرد وحده؛ هذه جريمة قتل مقنّعة وخبيثة، جريمة لا يمكن لأحد أن يدافع عن نفسه منها أو أن يواجهها، لأن أحداً لا يرى القاتل، ولأن موت الضحية يبدو طبيعياً، ولأن الجريمة تأتي نتيجة التغافل لا الفعل، لكن على الرغم من ذلك تبقى جريمة قتل».
آريس - كوبا

هل يتلاءم هذا التحليل مع ما يحصل في أونتاريو اليوم؟ توثّق «إحصاءات كندا» أن الرجال الكنديين في فئة الـ20% الأقل دخلاً، هم أكثر عرضة للوفاة بنسبة 67% منهم في أي عام، بالمقارنة مع الرجال في فئة الـ20% الأغنى. وبالنسبة إلى النساء تصبح نسبة احتمال الوفاة نحو 52%.
كيف يموت هؤلاء؟ إن الاشخاص الأدنى دخلاً هم أكثر عرضة للموت بأمراض القلب بالمقارنة مع نظرائهم الأغنياء بنسبة 67% (للرجال) و53% (للنساء)، وأيضاً أكثر عرضة للموت بالسرطان بنسبة 46% (للرجال) و30% (للنساء)، وأكثر عرضة للإصابة بالسكري بنسبة 249% (للرجال) و264% (للنساء)، كذلك هم اكثر عرضة للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي بنسبة 231% (للرجال) و211% (للنساء)، كما هم معرضون لإصابات العمل بنسبة أكبر من الأعلى دخلاً بنسبة 88% (للرجال) و83% (للنساء).
وتوضح الإحصائيات الكندية أيضاً أن هذه الاختلافات في النتائج الصحيّة ترجع في الدرجة الأولى إلى الظروف المعيشية المادية والضغوط النفسية الاجتماعية المرتبطة بها، والتي غالباً لا تكون مماثلة بالنسبة إلى فئة الـ20% الأغنى من الكنديين. في الواقع «يؤثر الدخل على الصحّة بشكل مباشر، نظراً إلى قدرته على توفير الوصول إلى الموارد المادّية مثل الغذاء الجيّد والمأوى».
أي زعيم عاقل سيفعل كل ما يمكن فعله لتحسين الوضع المالي لهؤلاء الأفراد المعرّضين لخطر الأمراض والموت. ولكن بدلاً من ذلك، نرى دوغ فورد يلغي زيادة الحدّ الأدنى للأجور، ويحدّ من زيادة المساعدات الاجتماعية، كما نراه يعد بإلغاء «قانون شروط عمل عادلة ووظائف أفضل» الذي قدّم تحسينات في الحياة العمليّة لأولئك الذين لا يتمتعون بالامتيازات نفسها المتاحة للأثرياء. وليس هناك أدنى شكّ في أنه سيفرض تخفيضات هائلة على الخدمات الحيوية والأساسية لفئة الـ20% الأفقر، التي تم تحديدها في دراسة «إحصاءات كندا».
ما هي المصطلحات اللغويّة المستخدمة لوصف أجندة هذه السياسة العامة؟ تقشّف، نيوليبرالية، أو سياسات محافظة.
وما هي آثار هذه السياسات؟ سأترك عناوين هذه الأعمال العلمية تشرح الإجابة:
«الهيئة الاقتصادية: لماذا التقشّف يقتلُ - الركود»، و«معارك الميزانية وسياسة الحياة والموت»، ديفيد ستاكلير وسانجاي باسو.
«كيف تجعلنا السياسة مرضى: أوبئة النيوليبرالية»، تيد شريكر وكلير بامبرا.
«القتل الاجتماعي: وغيرها من أوجه القصور في الاقتصاد المحافظ»، روبرت شيرنوماس وإيان هدسون.
لا يوجد أدنى شكّ في أن سياسات دوغ فورد ستقتل. وأن هذه السياسات لن تقتل فقط الأقل رخاءً، بل ستؤثر على نوعية حياة الجميع. دعونا لا نضع تسميات محايدة على ما يفعله دوغ فورد. إنه أكثر من تقشّف وتخفيض للنفقات وسياسات محافظة. إنها جريمة اجتماعية.

* أستاذ السياسات الصحيّة والإدارة في جامعة يورك في تورونتو

The Star