بغداد | بشكل جزئي، صوّت البرلمان العراقي على قانون الموازنة المالية الثلاثية، على إثر تسوية للخلافات بين القوى السياسية، ولا سيما بين «الحزب الديموقراطي الكردستاني» و«الإطار التنسيقي»، وسط إصرار نيابي على إقرار القانون بشكل نهائي قبل عيد الأضحى، لتَدخل الموازنة حيّز التنفيذ. وبعدما أعلن رئيس اللجنة المالية، عطوان العطواني، عن تلك التسوية، عقد البرلمان جلسته في ساعة متأخّرة من مساء الخميس، برئاسة محمد الحلبوسي، وبحضور 258 نائباً، صوّتوا على المواد الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة، بينما تمّ تأجيل المادة الثانية وحذف المادة الرابعة - بناءً على طلب اللجنة المالية -، والتي تتضمّن إجراء مناقلة بين تخصيصات القروض المدرجة في القانون، وتغيير الجهة المستفيدة منها. وعلى إثر ذلك، رُفعت الجلسة حتى يوم الجمعة، من دون أن تُستأنف فعلياً إلى الآن.وكان المشروع أثار خلافات عميقة في ما بين القوى السياسية حول مخصّصات المحافظات، وآخرها اعتراضات إقليم كردستان على المواد الخاصة به، ما تسبّب بتعطّل عملية الإقرار لأشهر. وتُعدّ هذه الموازنة من أضخم الموازنات في تاريخ البلاد، ويبلغ حجمها 197 تريليوناً و828 مليار دينار عراقي (152.2 مليار دولار)، وبعجز وصل إلى 63 تريليون دينار عراقي، علماً أن البرلمان صوّت على احتساب سعر برميل النفط عند 70 دولاراً، وسعر صرف الدولار أمام الدينار المحلّي عند 1300 للدولار الواحد. ويحذّر خبراء المال والاقتصاد من مغبّة تمرير الموازنة بشكل نهائي بصيغتها الحالية، التي تغلب عليها صبغة التوافقات السياسية، محذّرين من أنها ستجعل البلاد على محكّ الاقتراض الداخلي والخارجي.
لكن عضو اللجنة المالية، معين الكاظمي، يعتقد أن الموازنة «ستغطّي جميع المحافظات العراقية بشكل يضمن العدالة الاجتماعية»، لافتاً إلى أن «معظم بنودها تمّت مناقشتها بشكل معمّق من خلال اجتماعات اللجنة المالية، وأيضاً بحضور اللجان الأخرى والمحافظين في الشهرَين الأخيرَين». ويشير الكاظمي، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «الخلافات حُسمت نهائياً بين القوى السياسية وخاصة مع إقليم كردستان، وهناك اتفاقات حصلت مع الأكراد بشأن بيع النفط وآلية تصديره». ويوضح أن «القوى السياسية توصّلت إلى اتفاق يفيد بأن من واجبات الإقليم الإنتاج، وواجب الحكومية الاتحادية هو البيع والتصدير وتوقيع العقود مع الشركات الأجنبية، وفي مقابل ذلك تتولّى الحكومة تسديد مستحقات الإقليم من الموازنة، وهذا شيء جيّد».
من جانبها، ترى النائبة عن «الاتحاد الوطني الكردستاني»، سروة محمد رشيد، أن «جميع الخلافات كانت طبيعية أمام موازنة عملاقة لمدّة ثلاث سنوات»، مشيرةً إلى أن «هناك مئات المشاريع التي تنتظر التخصيصات المالية، فضلاً عن البرنامج الحكومي الذي وضعته الحكومة الاتحادية الذي يحتاج إلى أموال كبيرة لتطبيقه على أرض الواقع، وكذلك توزيع رواتب الموظفين والمتعاقدين الجدد». وتلفت رشيد، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أنه «بعد الاتفاق الأخير، ليس هناك مَن يعترض على الموازنة لأنها استوفت جميع شروطها، فيما نحن في إقليم كردستان داعمون لها ولقرارات الحكومة الاتحادية في مسألة بيع النفط وجعله تحت رقابة شركة سومو في بغداد».
تُعدّ هذه الموازنة من أضخم الموازنات في تاريخ البلاد


وفي الاتجاه نفسه، يعتقد النائب عن كتلة «دولة القانون» النيابية، فراس المسلماوي، أن «إقرار قانون الموازنة سيحرّك الركود الحاصل في جميع مفاصل الدولة»، مبيّناً أن «المحافظات الجنوبية حصّتها ستة ونصف تريليون عراقي، وكنّا نتأمّل رفعها إلى ثمانية تريليونات لتناسب حاجتها الكبيرة إلى الإعمار والبنى التحتية». ويتحدّث المسلماوي، إلى «الأخبار»، عن «مزايا كثيرة في الموازنة على مستوى تشغيل العاطلين من العمل، وتضمين شرائح مهمّة كحمَلة الشهادات العليا والمفسوخة عقودهم ضمن بنودها، وهذا سيساهم في تشغيل كل القطاعات والمجالات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية». كذلك، يَعتبر عضو حركة «حقوق» النيابية، حسين العامري، أن «إقرار الموازنة سيؤثّر إيجاباً على السوق الذي يعاني من ارتفاع الأسعار»، مشدّداً على أن «الجميع أمام مسؤولية كبيرة، ألا وهي أموال الموازنة التي ينبغي الحرص عليها من قِبَل الحكومة وعدم السماح بذهابها إلى جيوب الفاسدين، كما حصل في الموازنات السابقة». ويتوقّع العامري أن «تنصف الموازنة جميع الشرائح المجتمعية، كونها راعت الجميع بشكل متساوِ».
في المقابل، ينتقد الكاتب والمحلّل السياسي، أحمد السراج، «آلية إقرار الموازنة عن طريق التوافقات السياسية»، ويراها «خالية من الجدوى الاقتصادية بالنسبة إلى المواطن وفائدتها فقط للكتل السياسية». ويرى أن «هذا ليس بالجديد طالما العملية السياسية قائمة على المحاصصة والتوافقية لا على الأغلبية السياسية»، منتقداً، في حديثه إلى «الأخبار»، وقائع جلسة التصويت، ومعتبراً إيّاها «مستعجلة». ويشدّد السراج على أن «الحكومة أمام تحدّيات صعبة؛ إذ إن تنفيذ برنامجها وفق هذه الموازنة شيء غير معقول، كما أن الوقت المتبقّي لن يسعفها في ظلّ المشكلات وعدم الاستقرار في السوق والاقتصاد».