بغداد | تأخّر موعد إقرار مشروع الموازنة المالية الثلاثية داخل البرلمان الاتحادي، عن شهر أيار كما كان مقرَّراً، على خلفية اعتراضات إدارة إقليم كردستان على التغييرات التي أجرتها اللجنة النيابية المالية أخيراً على البنود المتعلّقة بحصّة الإقليم في الموازنة المالية الاتحادية. ورأى نواب كردستان في تلك التغييرات «تعدّياً على مستحقّات الإقليم»، فيما عدّها أعضاء في اللجنة المالية إنصافاً للمحافظات الأخرى.
أثارت تعديلات للمواد 12 و13 و14 في مشروع الموازنة العراقية والمرتبطة بحصّة إقليم كردستان وآلية وطرق تسويق النفط ورواتب موظّفيه جدلاً واسعاً، ما صعّد من مواقف الأكراد الداعية إلى مقاطعة جلسات التصويت على الموازنة، باعتبار تلك التعديلات متعارضةً مع اتّفاق أبرمَ مسبقاً بين سلطتَي بغداد وأربيل. وأعرب رئيس كردستان، مسرور بارزاني، في بيان، عن قلقه إزاء التغييرات المُشار إليها، معتبراً أن «هذه الخطوة تعدّ خيانة وظلماً ومؤامرة حيكت ضدّ الإقليم»، فيما وصفت حكومة الإقليم التعديلات بأنها «غير دستورية» ومخالفة لوثيقة «ائتلاف إدارة الدولة» التي تضْمن حقوق المواطنين الأكراد. وفي المقابل، اعتبر نواب وقادة في «الإطار التنسيقي» أن «كردستان تخالف قرارات السلطات القضائية، ولا تمتثل للدستور الاتحادي»، بينما أعلن نواب من اللجنة المالية أن أعضاء تابعين لكردستان، وتحديداً لـ«الحزب الديموقراطي الكردستاني»، فيها، انسحبوا من اجتماعاتها، اعتراضاً على التعديلات الأخيرة.
وفي آذار الماضي، توصّلت بغداد وأربيل إلى اتفاق نهائي بشأن تصدير نفط كردستان وحصّة الإقليم من الموازنة. إلّا أن اللجنة المالية النيابية عادت وصوّتت، في 25 أيار الجاري، على إلزام حكومة كردستان بدفع 10 في المئة بشكل شهري من الرواتب المستقطعة لموظّفيها. وتُلزم التعديلات الجديدة على المادة 13، الإقليم بتصدير ما لا يقلّ عن 400 ألف برميل من النفط المصدَّر من حقوله، عن طريق شركة «سومو» التابعة لوزارة النفط الاتحادية، ما يعني وضع إيرادات نفطه تحت سيطرة ورقابة وزارة المالية في بغداد. كما تلزمه بتسليم الإيرادات غير النفطية إلى خزينة الدولة، بالاتفاق بين ديوان الرقابة المالية الاتحادي وديوان الرقابة في إقليم كردستان.
وتعتقد رئيسة كتلة «الديموقراطي» النيابية في البرلمان الاتحادي، فيان صبري، أن «التغييرات مخالفة للدستور، ونقض للاتفاقات التي أبرمتها سابقاً حكومة محمد شياع السوداني مع حكومة كردستان». وتعتبر صبري، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «تلك التعديلات سوف تزيد من الخلافات، لأن فيها ظلماً كبيراً وقع على الشعب الكردي»، مذكّرةً بأن هناك التزاماً بين الإقليم والمركز بشأن النفط ورواتب الموظفين كما هو مذكور في البنود 12 و13 و14 من الموازنة قبل تعديلها أخيراً في اللجنة المالية. كما تطالب النائبة الكردية القوى السياسية بتفهّم الأزمات الاقتصادية التي يمرّ بها الإقليم، واضطرّته إلى أن يلجأ إلى سياسة التقشّف حتى في الرواتب.
أمّا النائبة عن «الاتحاد الوطني الكردستاني» وعضو اللجنة المالية النيابية، نرمين معروف، فترى أن «الإقليم لم يتنازل عن حقوقه، وخاصة في مسألة استقطاع نسبة من رواتب الموظفين». وتصف معروف، في تصريح إلى «الأخبار»، بعض التعديلات التي حصلت بأنها «غير محقّة»، لافتةً إلى أنه «عندما تمّت مناقشة المواد التي تخصّ حصّة الإقليم، اختلفت الأمور عمّا تمّ الالتزام به مع بغداد. وفيما تأمل معروف في «حلّ المشكلة في أسرع وقت ممكن من أجل مصلحة الشعب العراقي» بمن فيه مواطنو الإقليم الذين ينتظرون موعد التصويت على الموازنة، فهي تؤكد أن اجتماعات اللجنة المالية مستمرّة لإكمال القانون بصورته النهائية وتسليمه إلى رئاسة البرلمان.
من جانبه، يقول النائب عن إقليم كردستان، شيروان دوبرداني، لـ«الأخبار»، إن هناك انعدام ثقة كبيراً بين حكومتَي بغداد وأربيل، مضيفاً أن «المادة 14 من مشروع قانون الموازنة اتُّفق عليها سابقاً بين حكومة الإقليم وحكومة بغداد، لكن هناك عدم التزام واضح في تنفيذ بنود الاتفاق». ويوضح دوبرداني أن حصّة الإقليم المتّفَق عليها هي 12.67%، بينما في وزارة التخطيط حصّته تكون أكثر بحسب الكثافة السكانية، «ولذا، هو لم يأخذ استحقاقه بشكل كامل، وهناك ظلم كبير عليه». ويطالب إدارة بغداد بعدم التعامل مع الإقليم كمحافظة، معتبراً أنه «لو جمعنا حصّة محافظتَين عراقيتَين أو ثلاث، سنجدها أكثر بكثير من حصّة إقليم كردستان».
في المقابل، يَعتبر النائب المستقلّ، رائد المالكي، أن الاعتراضات من قِبل أعضاء اللجنة النيابية، ولا سيما المنحدرين من كتل شيعية وحركات مستقلّة، غرضها إنصاف المحافظات الوسطى والجنوبية في الموازنة المالية. ويقول المالكي، في تصريح إلى «الأخبار»، إن «النواب المعارضين يرون في الموازنة تفريطاً بحقوق محافظات معيّنة وعناية كبيرة بمحافظات الإقليم»، مضيفاً أن «اعتراضات كردستان هي شكلية لغرض الضغط والحصول على اتّفاقات جديدة تضمن حصّتها من النفط ورواتب موظّفيها». ويصف النائب في اللجنة المالية النيابية، مصطفى سند، بدوره، «التصويت على تعديل الفقرات المتعلّقة بالإقليم، والتي تلزمه بتسليم نفطه إلى شركة سومو الوطنية» بأنه «قرار صائب؛ فتلك التغييرات سوف تقطع الطريق أمام سلطة الإقليم للتحكّم بإيراداته بعيداً عن السلطة المركزية». ويقول سند، لـ«الأخبار»، أن «الاتفاق الحكومي مع كردستان يطابق ما جاء في قانون الموازنة»، مضيفاً أن «الإقليم لم يلتزم أبداً بالاتفاقات، وهذا معروف عنه منذ سنين، لكن هذه المرّة، وبجهود بعض النواب، سنقف بوجهه حتى تحقيق العدالة الاجتماعية بين محافظات كردستان والمحافظات الجنوبية».
وفي السياق نفسه، يشير الخبير الاقتصادي، باسم جميل أنطوان، إلى أن الخلافات والاعتراضات من قِبل الأطراف السياسية على الموازنة «قد تؤخّر مصلحة العراق وقد تزيد من خساراته». ويوضح، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «النظر إلى الأمور ليس اقتصادياً أو مالياً، وإنما سياسي، والدليل أن هناك ورقة اتفاق أُبرمت بين بغداد وأربيل لغرض توحيد إيرادات النفط وتسليم الحكومة الاتحادية رواتب الإقليم بالكامل».