على أن مراقبين سياسيين لا يستبدعون أن يكون تحرّك الصدر ضدّ الهرطوقيين من تيّاره، مقدّمةً لكسر جموده السياسي، وإعادة ترتيب أوراق «الصدري» من جديد، قبل أشهر قليلة من انتخابات مجالس المحافظات، المقرَّرة في كانون الأول المقبل. وفيما تفاعل جمهور التيار مع الوثيقة، بالفعل، على أنها توطئة للعودة إلى الحياة السياسية، يرى النائب «الصدري» السابق، فتّاح الشيخ، أن «كلّ ما يحدث من معرقلات، سواء من قِبَل أصحاب القضية أو غيرهم، له مآرب معروفة ومشخَّصة، ونعرف جيّداً من يقف وراءها»، متّهماً أطرافاً داخلية وخارجية لم يسمّها بالوقوف وراء ذلك، «باعتبار أن السيد الصدر أصبح يشكّل حجر عثرة أمام الفاسدين، وبالنتيجة لا يروق لهم أن يُسقط أوراق التوت التي تغطّي عورات الفاسدين». وفي ما يخصّ ورقة التعهد، يصفها الشيخ، في تصريح إلى «الأخبار»، بأنها نوع من أنواع «التكتيك الاستراتيجي»، معتبراً إيّاها بمثابة «فتحٍ لباب التوبة أمام الصدريين من المقلّدين للمرجعَين، الصدر الأول أو الثاني، والممثَّلين منهم في أحزاب السلطة الحالية والمتورّطين في الفساد». ويلفت إلى أن «الصدر قرأ الاصطفافات السياسية القادمة، سواء أكانت محلّية أم دولية، وأخذ على عاتقه أن يتبنّى الاصطفافات الوطنية، لكي يَخرج بمشروع عراقي ويقول كلمته ويعزّز حضوره»، مؤكداً أن «المشروع السياسي للصدر سيقول كلمته في المرحلة المقبلة، وستكون هناك عملية سياسية ناضجة بعيداً عن الحزبية والطائفية، وسيكون هذه المرّة القرار السياسي من النجف الأشرف وتحديداً من الحنّانة».
ورقة التعهّد المنشورة أخيراً ربّما تمهّد لإعادة هيكلة «التيّار الصدري»
من جهته، لا يستغرب الناشط والكاتب، سلام الحسيني، أن يُمارس الصدر «جلد التيّار» بين فترة وأخرى، بهدف «تشذيب قاعدته الجماهيرية أو تقويمها وتصويبها». ويلفت الحسيني، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أنه «بعد أحداث ثورة عاشوراء في المنطقة الخضراء، بدأ التيّار الصدري يعيد حساباته، ولا سيما ربطاً بشأنه الداخلي»، محتملاً أن «تكون الوثيقة الجديدة تهيئة لعمل سياسي مقبل، وتمهيداً لتنظيم جديد للتيّار الصدري أو إعادة لهيكلته، ومن ثمّ الانطلاق بخطوة سياسية وربّما دينية». ولكنه يستبعد أن يعود الصدر مبكراً إلى المشهد السياسي، ويرى أن عودته ستستغرق فترة تُراوح بين سنة وسنتين، أو ربّما إلى نهاية عهد هذه الحكومة، حتى لا يُقال إنه يريد عرقلة عمل حكومة «الإطار التنسيقي». ويعتقد أستاذ العلوم السياسية، علي أغوان، بدوره، أن «التيّار فقد الكثير من عناصر قوته خلال الفترة الماضية، ولا سيما الذين لم يلتزموا بتعليمات زعيمهم، ولهذا، كان بحاجة إلى آليات ربط لأعضائه»، مضيفاً، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «مرحلة جديدة ستبدأ للتيّار الصدري، وجميع القوى السياسية تترقّب ما سيصدر عنه خلال الفترة المقبلة»، فيما يُذكّر الصحافي العراقي، أحمد الصالحي، بأن «من العلامات المميّزة للصدر أن أحداً لا يمكنه التنبّؤ بخطواته، لكن وفقاً لمتابعتنا فإن هناك مشروعاً مقبلاً»، مضيفاً أن «من يسمّون بأصحاب القضية، هم جزء من جماعات ليست بالجديدة على التيّار، ولديهم مسمّيات عديدة ومنها الممهّدون، الذين حذّر الصدر منهم مراراً وتكراراً، خوفاً من تقرّبهم من تيّاره».
ولا تُعدّ «الحركات المهدوية» جديدة على العراقيين، وخاصة لدى أتباع «التيّار الصدري»، وهي أخذت تنشط منذ سنوات وتبشّر بأفكارها، ومن بينها «جند السماء» و«اليماني» و«أصحاب القضية» وغيرها التي تظهر وتختفي بين الفينة والأخرى.
ويشرح الباحث في مجال التراث الديني والعقائدي، أحمد الأكوش، وهو صاحب كتاب «ادّعاء المهدوية عبر التاريخ»، في حديث إلى «الأخبار» جذور تلك الجماعات، قائلاً إن «حركة أصحاب القضية ظهرت وتكوّنت بعد المصادمات التي حدثت بين جيش المهدي الذي أسّسه الصدر والاحتلال الأميركي في النجف عام 2005»، مبيّناً أن «المؤسّس لهذا الجماعة كان أحد أفراد جيش المهدي، وقد شارك إلى جانب الكثيرين في قتال الأميركيين». ويضيف: «تكوّنت هذه المجموعة بعد اعتقال مؤسّسها من قِبل القوات البريطانية، ومكث في الاعتقال أكثر من شهرَين، وبعد إطلاق سراحه بدأ في نشر بعض الأفكار الجديدة والتي تتمحور حول أن الموجود الآن هو ليس السيد مقتدى الصدر، وإنما هو الإمام المهدي، وأن الصدر قد قُتل في المواجهات مع الأميركيين». ويتابع: «سرعان ما استطاع أن يجمع بعض الشباب الجهلة، والمغالين في حبّهم للصدر، وأصبح له عدد لا يستهان به من المؤيّدين والأنصار وبعض المساعدين».