بغداد | يقود رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، حَراكاً لتشكيل جبهة سُنّية موحّدة على نمط «الإطار التنسيقي» الذي يضمّ قوى سياسية شيعية. ووُجّهت دعوات إلى قيادات سُنّية أبرزها رئيس البرلمان الأسبق، سليم الجبوري، ونائب رئيس مجلس الوزراء الأسبق، صالح المطلك، ورئيس مجلس النواب الأسبق، محمود المشهداني، ووزير المالية الأسبق، رافع العيساوي، ورئيس «تحالف السيادة» خميس الخنجر، ورئيس حزب «عزم» مثنى السامرائي، في محاولة لتشكيل جبهة قوية ضدّ خصوم الحلبوسي، الذي يواجه حملة لإقالته وعزله من رئاسة مجلس النواب. واشتدّ الخلاف بين الحلبوسي والسوداني، على خلفية تأخير إقرار مشروع قانون الموازنة الذي أرسلته الحكومة في آذار الماضي، فضلاً عن اتّهامات من الأول للثاني بالتأخّر في تنفيذ بنود الوثيقة السياسية التي على إثرها منحت القوى السُنّية والكردية الثقة لحكومته.
ونشرت منصّات إعلامية قريبة من قوى «الإطار التنسيقي» صوراً تجمع قيادات سُنّية بينها الحلبوسي، وأطلقت عليها تسمية «الإطار التنسيقي السُنّي» الجديد، فيما تلتزم الأحزاب السُنّية الصمت، ولا تنفي أو تؤكّد حتى الآن حقيقة نيّتها تشكيل تحالف جديد يجمعها تحت مسمّى واحد. وكان السياسي السُنّي، مشعان الجبوري، أكد أن الحلبوسي «يسعى إلى تشكيل إطار تنسيقي جديد على غِرار الإطار التنسيقي الشيعي». وكتب على حسابه على «تويتر»: «يمكنني تأكيد أن الرئيس أسامة النجيفي، والشيخ خميس الخنجر، والسيد مثنى السامرائي، والدكتور رافع العيساوي، ومَن معهم، وبما يمثّلونه من عناوين، لن يكونوا جزءاً من الإطار التنسيقي السُنّي الذي يسعى الحلبوسي إلى تشكيله». وأضاف أن «الشائعات تقول إن محمود المشهداني، وسليم الجبوري، وصالح المطلك، سينضمّون إليه».
وعن احتمال تشكيل تحالف كهذا، يقول السياسي في محافظة الأنبار، غسان العيثاوي، لـ«الأخبار»، إن «ثمّة تنافساً وصراعاً سياسياً شديداً داخل البيت السُنّي في الوقت الحالي، للسيطرة على المشهد، ما دفع الحلبوسي إلى التحرّك لإعادة تنظيم الوضع السياسي في المناطق التي يمثّلها تحالف السيادة وحزب تقدم». ويَحتمل العيثاوي أن «تكون تحرّكات الحلبوسي الأخيرة هي للملمة وترتيب الوضع السياسي بشكل أوسع، خاصة مع وجود خصوم يتربّصون به لإسقاطه من رئاسة مجلس النواب». على أن «مخاوف رئيس البرلمان ليست من الإطار التنسيقي، أو من رئيس الحكومة، وإنّما من خصومه من المكوّن نفسه»، كما يرى العيثاوي، معتبراً أن مساعي الحلبوسي الأحدث «تتطابق مع الرغبة في إبعاد الخصوم قبل الانتخابات المحلّية». ويضيف أن «الإطار التنسيقي السُنّي الجديد إذا أبصر النور، فهو لحماية الحلبوسي ودعمه في الانتخابات المقبلة»، متابعاً أن «حَراك رئيس مجلس النواب باتجاه الشيخ جمال الضاري والسيد سليم الجبوري وشخصيات أخرى سياسية وعشائرية فاعلة ولها تأثير في القرار السُنّي، هو لغرض الضغط وكسب ضمانات تقيه شرّ التسقيط من خصومه قُبيل الحملات الانتخابية لحزب تقدّم وتحالف السيادة».
من جانبه، يعتقد الشيخ محمد الحردان من محافظة الأنبار، أن «رئيس البرلمان يسعى إلى لمّ شمل البيت السُنّي لغرض تقوية وجوده في الزعامة، خاصة بعد تلقّيه طعنات كبيرة من حلفائه السياسيين»، معتبراً، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الإطار التنسيقي السُنّي هو تحالف يوازي التحالفات الأخرى، خاصة إذا لاحظنا في السنوات الأخيرة أن القرار السُنّي بات ضعيفاً، والسبب هو التشتّت داخل قيادات المكوّن، وغياب التفاهمات». ويشير الحردان إلى أن «مثل هكذا تحالفات نشهدها قبل مجيء موسم الانتخابات... لكن نحن كعشائر، نعرف جيّداً من يريد خدمة مدننا بنواياه الصادقة وليس فقط المتاجرة بأصوات النازحين والمشرّدين»، مضيفاً أن «بعض القيادات السياسية فقدت مقبوليّتها في الشارع السُنّي، ولذا فهي تبحث عن تحالفات كي تبقى في السلطة، لكن نرفض تشكيل تحالفات مبنيّة على مصالح».
وكان النجيفي رأى، في مقابلة متلفزة، أن «دعوات الحلبوسي لتشكيل إطار سياسي سنّي، هدفها تقوية موقعه الحالي، خاصة بعد توقّع صدور شيء ضدّه خلال الفترة المقبلة»، مستدركاً بأن «ثمّة خلافات داخل تحالف السيادة، وأيضاً بين السوداني والحلبوسي بخصوص التدخّل في الأمور التنفيذية للدولة من قِبَل رئيس البرلمان». وعن هذه الخلافات، يبيّن الباحث والأكاديمي، حيدر الجوراني، في تصريح إلى «الأخبار»، أنها «مركّبة، إذ تكمن جذورها في أمرَين: الأوّل طبيعة الاتّفاق السياسي الذي تَشكّل على أساسه تحالف إدارة الدولة، والثاني انعكاسات تنفيذ ذلك من خلال تداخل غير معلن بين السلطتَين التنفيذية والتشريعية». ويلفت الجوراني إلى أن «الخلافات الحاصلة تعكس هشاشة الاتّفاق السياسي، وعدم وجود ضمانات وآليات واضحة لتنفيذه على أرض الواقع، وهذا وضَع الحلبوسي في حرج كبير، خاصة أنه أخذ على عاتقه مهمّة تمرير قانون الانتخابات الأخير وفق نظام سانت - ليغو 1.7، وواجه منفرداً السخط الجماهيري بسببه»، مضيفاً أن «إصرار الحكومة في المقابل على إقرار قانون الموازنة بطريقة مماثلة لمِا جرى لدى تمرير قانون الانتخابات، أدّى إلى تزعزع ثقة الحلبوسي بإمكانية تنفيذ مطالب تحالف السيادة كما هو متّفق عليها مسبقاً».
توقع فتح معركة الفساد بين القوى السياسية قريباً


وفي ما يتعلّق بمشروع «الإطار التنسيقي السُنّي»، يعتقد الجوراني أن العقدة السياسية لثنائية «المكوّن - الزعيم» تتشكّل بصورة أكبر في الجانب السُنّي، مقارنة بالجانب الشيعي، «ما يجعل التيه السياسي لدى الفواعل السياسية السُنّية أكثر وضوحاً». ويشير إلى أن «الحلبوسي يسعى جاهداً إلى معالجة التشظّي السياسي السُنّي الذي بدأ مبكراً من خلال طرحه لفكرة إطار تنسيقي سُنّي، إلا أن هذا الإطار في ما لو تَشكّل، سيولد ميتاً لعدم وجود ضابط إيقاع فيه كما هو الحال مع الإطار التنسيقي الشيعي». ووفقاً للجوراني، فإن «المرحلة القادمة قد تشهد حرب ملفّات فساد بين الفواعل السياسية، بمعنى أن البوصلة السياسية لكلّ فاعل سياسي ستكون على أساس ما يمتلكه من ملفّات فساد بوجه الآخرين. وهذا ما يؤكّد أن الغاية من تشكيل إطار تنسيقي سُنّي هي الوصول إلى مرحلة الانتخابات القادمة لمجالس المحافظات بسلام ومن دون تشظّ أكبر، لا سيما وأن قوى سُنّية بدأت حَراكات سياسية استعداداً لتمثيل ما يسمّى المكون السنّي بعد حالة من الشعور بالتهميش والغدر السياسي».