بغداد | في 13 آذار الجاري، وافق مجلس الوزراء العراقي على مشروع الموازنات الثلاث للعام الحالي والعامَين المقبلَين، وأحالها إلى مجلس النواب. لكن حتى الآن، لم تُحِل رئاسة البرلمان المشروع إلى اللجنة المالية النيابية لمناقشتها والنظر في بنودها قبل مرحلة القراءة والتصويت عليها بشكل نهائي، وفقاً لما قاله أعضاء داخل اللجنة المالية. وتعدّ موازنة 2023 الأكبر في تاريخ العراق ما بعد 2003، إذ قال رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، إن إجماليها يبلغ أكثر من 197 تريليون دينار (135 مليار دولار)، منها موازنة تشغيلية تبلغ أكثر من 150 تريليون دينار، واستثمارية تصل إلى نحو 47 تريلوناً، بينما نسبة العجز المقدَّرة تقارب 63 تريليون دينار عراقي، ومجموع الإيرادات المنتظَرة يعادل أكثر من 134 تريليون دينار. وقُدّرت الإيرادات النفطية بـ117 تريليون دينار على أساس سعر نفط يبلغ 70 دولاراً، بينما غير النفطية تصل إلى 17 تريليوناً، وسط تحذيرات خبراء النفط والاقتصاد من تأثير انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية على الموازنة المالية.ويرجّح برلمانيون إعادة مشروع الموازنة إلى الحكومة خلال الأيام المقبلة. وفي هذا الإطار، يقول عضو اللجنة المالية النيابية، عدي عوّاد، لـ«الأخبار»، إن «من المحتمل إرجاع المشروع إلى مجلس الوزراء ووزارة المالية»، مؤكداً أن «الموازنة لن تقَرّ خلال شهر رمضان ولا حتى بعد العيد، نظراً إلى كثرة المشكلات التي سترافقها، خاصة أن هناك محافظات كالبصرة لم تحصل على مستحقّاتها الكاملة بموجبها». ويضيف أن «الموازنة ستأخذ وقتاً طويلاً حتى تصل إلى مرحلة القراءة النهائية»، لافتاً إلى أن «هناك مطالبات كثيرة من نواب بشأن حصص مدنهم المالية، وكذلك لن تمرَّر إذا لم يتمّ تضمينها أجور المياومين والعاملين بالعقود وفروقات الحشد الشعبي، وتعديل قانون سلّم الرواتب بشكل عادل ومنصف بين جميع فئات الموظفين في الدولة».
من جهته، يصف عضو اللجنة المالية، معين الكاظمي، نسبة العجز في الموازنة بأنها «خطيرة»، مستدركاً بأن الحكومة وعدت بتغطيته من خلال الإيرادات العامّة. وعلى عكس زميله، يستبعد الكاظمي، في تصريح إلى «الأخبار»، «سيناريو إعادة الموازنة مرّة أخرى إلى مجلس الوزراء، في ظلّ وجود توافق سياسي بين جميع الأطراف، لاسيما بوجود موافقة كردية، لكن المشكلة أن رئاسة البرلمان لم ترسل المشروع إلى اللجنة المالية حتى الآن». ويرجِّح أن الموازنة ستحتاج إلى شهَرين تقريباً لإقرارها، وبعدها ستكون نافذة، موضحاً أن «سلّم الرواتب الحالي هو الذي سيكون في موازنة 2023، وليس هناك سلّم رواتب جديد في الوقت الحالي، لأنه يحتاج إلى موافقة حكومية أولاً، وتخصيصات مالية إضافية ثانياً»، مضيفاً أن «مقترح سلّم الرواتب الجديد لا يرتبط بالموازنة نهائياً»، وأن «تعديل السلّم لم يُنجَز بشكل نهائي، ويحتاج إلى مصادقة حكومية ليأخذ طريقه بعدها إلى مجلس النواب». ويتوقّع عضو اللجنة المالية أن يتأخّر مقترح التعديل إلى نهاية العام الحالي أو بداية العام الجديد، نتيجة الظروف والتقلّبات في المواقف السياسية الراهنة.
سعر النفط الافتراضي عالٍ والعجز المقدَّر قد يتفاقم


ويطالب عدد من نواب المحافظات المختلفة بزيادة حصصهم في الموازنة، حيث عُقدت داخل مجلس النواب أربعة مؤتمرات صحافية متتالية بشأن المشروع، وجميعها أبدت بعض الملاحظات والمؤاخذات على فقرات فيه. وخلال أحد المؤتمرات المنعقدة في المركز الإعلامي لمجلس النواب، يسجّل النائب في اللجنة القانونية، رائد المالكي، «بعض المؤشّرات إزاء خطورة وتداعيات العجز في الموازنة في حال عدم تحقيق الإيرادات الكافية التي تتوقّعها الحكومة». ويرجّح، في حديث إلى «الأخبار» على هامش المؤتمر، «ذهاب العراق إلى خيار الاقتراض الداخلي والخارجي، وهذا ما سيجعل السوداني في موقف ضعيف»، داعياً الحكومة إلى إعادة النظر في بعض القضايا المهمّة التي لم تحظَ بالتضمين في الموازنة، ومنها ملفّ المياه ومعاناة البلاد من جفاف حادّ، وكذلك القطاع الزراعي، وأيضاً إهمال بعض المحافظات وعلى رأسها ميسان.
من جانبه، يتوقّع الخبير الاقتصادي، ماجد الأمير، «إعادة الموازنة إلى الحكومة لتلافي المشكلات الحاصلة في بنودها، كنسبة العجز الكبيرة، وأيضاً احتسابها لثلاثة أعوام متتالية، والذي سيربك وضع العراق الاقتصادي والمالي». ويشير الأمير، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «العجز في موازنة الدولة قد يصل إلى 90 تريليون دينار في حالة عدم تغطية الإيرادات بشكل تامّ، وكما هو مخطَّط لها من قبل الحكومة»، متابعاً أن «استمرار انخفاض أسعار النفط عالمياً سيضع العراق أمام كارثة جديدة، لأن الحكومة ومن دون إدراك، احتسبت سعر البرميل الافتراضي بـ70دولاراً، وهذا سيزيد من فجوة العجز وسيضطرّ العراق للجوء إلى الاقتراض». وكان المتحدّث باسم الحكومة، باسم العوادي، طمأن، في وقت سابق على «تويتر»، إلى أن «عجز الموازنة مسيطَرٌ عليه ومغطَّى بالكامل»، وأنه ستتمّ تغطيته من خزينة الدولة.
وأيّاً يكن، يترقّب الشارع العراقي إقرار الموازنة في أسرع وقت، وذلك نتيجة الشلل الاقتصادي والتجاري الذي ضرب السوق منذ سنتَين تقريباً، فيما ينتظر أصحاب العقود والأجور اليومية وحملة الشهادات العليا الذين تمّ تثبيتهم أخيراً، تضمينهم في مشروعها.