بغداد | بشكل مستمرّ، تُوجَّه اتّهامات إلى محمد الحلبوسي بالسيطرة على أغلب المناصب الأمنية والإدارية في محافظة الأنبار، كما بمحاولة التفرّد بالسلطة وممارسة الضغط على القيادات السُنّية المنتقِدة له، سواءً عبر الاعتقال أو الإقصاء أو الملاحقة. وتطرح قوى وشخصيات سياسية سُنّية مِن مِثل رئيس حزب «الحل» جمال الكربولي، والسياسي البارز حيدر الملا، وتحالف «عزم» بزعامة مثنى السامرائي، وأيضاً قيادات داخل «الإطار التنسيقي»، إمكانية إقالة الحلبوسي من رئاسة المجلس، وذلك عن طريق جمع التواقيع اللازمة لهذه الخطوة والتصويت عليها بالأغلبية. وتفاقَم الصراع بعد توقيع الحلبوسي استقالة تقدّم بها على بياض عام 2021، النائب ليث الدليمي، وهو عضو في تحالف «السيادة» الذي يترأّسه خميس الخنجر، والذي تشكّل من اندماج حزب «تقدم» وتحالف «عزم»، قبل انشقاق هذا الأخير عن الائتلاف. وعدَّ الدليمي قرار عزله بـ«الديكتاتوري»، وكتب على «تويتر»: «فوجئنا بإجراء تعسّفي آخر اتّخذه الحلبوسي بإصدار أمر نيابي غير قانوني بإنهاء عضويتنا». وفي السياق نفسه، أعلن النائب عن تحالف «السيادة»، رعد الدهلكي، انسحابه من التحالف، لأسباب وصَفها بـ«الجوهرية»، فيما فسّرها آخرون بأنها تعكس حجم الخلافات والاهتزازات التي تضرب «السيادة» بشكل خاص، والبيت السُنّي بشكل عام.ويشير السياسي أزهر شلال الجميلي، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «الحلبوسي يتعامل مع مُنافسيه بطُرق انتقامية، خاصة بعد ظهور اسمه في ملفّات فساد عديدة، ومنها سرقة القرن وقضية المتَّهم بالاختلاس هيثم الجبوري وملفّ رئيس هيئة صلاح الدين، وكذلك الاتّهامات التي طالت شقيق رئيس البرلمان بأنه يحمل 400 بطاقة مزوَّرة لهيئة التقاعد في مدينة الرمادي، ما جعل الأخير يستشعر خطراً على مملكته». ويضيف الجميلي أن «انسحاب الدهلكي جاء بعد غضب الحلبوسي بسبب كشْف الأوّل ملفّات فساد تخصّ الوقف السني ورئيسه السابق، سعد كمبش، وكذلك قرار رئيس البرلمان استبعاد نواب آخرين جاء نتيجة تعاملهم مع "هيئة النزاهة" ومع مكتب «أبو علي البصري» الذي يشغل منصب "رئيس اللجنة العليا لمكافحة الفساد"». وفي السياق ذاته، يرى عضو مجلس محافظة الأنبار، طه عبد الغني، أنه «لم يَعُد من الممكن الحديث عن بيت موحّد للسنة بعد هذه الانشقاقات والصراعات»، متوقّعاً، في حديث إلى «الأخبار»، أن «تتوسّع الخلافات الحالية خلال الأيام المقبلة، وصولاً إلى الإطاحة بالحلبوسي». ويرى عبد الغني أن «أداء الحلبوسي غير مقنع بالنسبة إلى الجمهور وشركائه في العمل السياسي، خاصة مع استخدامه للبطش والتنكيل والتعسّف ضدّ نوّاب يمثّلون الشعب وشطْبهم من سجلّ مجلس النواب، لمجرّد أنهم اختلفوا معه في الرأي أو الموقف». ويعتقد أن «هذه سابقة خطيرة تهدّد العمليتَين السياسية والديموقراطية، وتقوّض عمل مؤسّسات الدولة، وتؤشّر إلى أن الأيام القادمة ستكون سيّئة»، مضيفاً أن «كلّ تصرّفات الحلبوسي تؤدي إلى نتيجة تفرّده بالحُكم والشمولية، ولكن لا يمكنه أن يعود بنا إلى الديكتاتورية والتسلّط والتجبّر».
الصراع السياسي بين الأحزاب السُنّية مرتبط باقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات


أمّا القيادي في تحالف «عزم»، إياد الجبوري، فيَعتبر أن «تصرّفات الحلبوسي تمثّل استهدافاً واضحاً، وبالتالي فيها نوع من التعسّف ومصادرة لحرية النائب أو جمهوره وتعدٍّ على حقوقه الدستورية والقانونية». ويلفت الجبوري، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «الخلافات السياسية بين القوى السُنّية تُرجمت من خلال تقديم بعض رؤساء الأحزاب استقالاتهم وخروجهم من التحالفات الممثّلة في السيادة وعزم»، معرباً عن اعتقاده بأن «الصراعات المحتدمة بين "عزم" و "تقدّم" أثّرت على العملية السياسية برمّتها، على رغم محاولات خميس الخنجر والوساطات الإقليمية والدولية جمْع الخصوم على طاولة واحدة». وفي الاتّجاه نفسه، يشير النائب معين الكاظمي إلى أن «الكثير من أعضاء مجلس النواب استهجنوا تعامُل رئيس المجلس مع عضو منتخَب من قِبَل أهالي قضاء التاجي والمناطق المحيطة به، فيما وقّع جمْع من الأهالي عريضة تطالبه بالعدول عن قراره، وعن طريقته الديكتاتورية في التعامل مع الآخرين، آملين من المكوّن السُنّي أن يحلّ مشكلاته بطريقة أكثر ودّية بعيداً عن التخندق»، مضيفاً في تصريح إلى «الأخبار» أن «الكثير من صقور السُنّة يَعتبرون أن الحلبوسي هو المهيمن والمنفرد بالقرار السُنّي في الأنبار ومناطق أخرى، ولا يروق لهم هذا الأمر خصوصاً بعد عودة ظافر العاني الذي يملك شعبية واسعة في الرمادي».
من جهته، يضع الباحث في الشأن السياسي، علي أغوان، الخلافات بين القوى السُنّية في إطار «أزمة الثقة بين القوى السياسية»، قائلاً لـ«الأخبار» إنه «عندما يأخذ رئيس كتلة توقيعاً على أوراق بيضاء أو على استقالات، فهذا يعني أن الثقة معدومة بين هذه الكتل السياسية». ويرى أن «هذا الخلاف يمكن أن يمتدّ ويتوسّع أكثر، وأن يشهد استثمارات سياسية من قِبَل بعض الكتل، على اعتبار أن هناك مشكلات قديمة تمّ إغلاقها لأسباب تتعلّق بتمرير حكومة الإطار التنسيقي، الذي قد يقود مثلاً حملة لإقالة الحلبوسي بسبب وجود دواعٍ من البيت السُنّي لهذه الإقالة». على أن النائب باسم نغيمش يربط الصراع الحالي بين الأحزاب السُنّية باقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات، موضحاً، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «كلّ الكتل السياسية والأحزاب ستبحث عن توسيع نفوذها في محافظاتها، وذلك حتى تسيطر في المستقبل على هذه المحافظات»، محذراً من أنه «ما لم يتمّ القضاء على تلك المحاصصة المقيتة التي تتعامل بها الأحزاب، فلن نستطيع محاربة الفساد».
وفي المقابل، يعتقد عضو البرلمان، هادي السلامي، أن «الخلافات حالة طبيعة، ودائماً ما تسبق الانتخابات»، لافتاً، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «الخلاف السُنّي ليس وليد اللحظة، وكانت هناك توقّعات بأنه بعد الانتهاء من تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب الوزارية والدرجات الخاصة، سيرجع الخلاف مرّة أخرى بين الأحزاب المتنافِسة». لكن حزب «تقدم» يَعتبر إنهاء عضوية ليث الدليمي من مجلس النواب «قانونياً»، ويدافع القيادي فيه، شعلان الكريم، لـ«الأخبار»، بأن «الحلبوسي التزم بالتعليمات المنصوص عليها في الدستور والنظام الداخلي للبرلمان». وإذ يعزو الخلافات الحالية إلى توزيع اللجان النيابية، فهو يستبعد أن تتوسّع الصراعات مستقبلاً، نافياً سعي الحلبوسي للتفرّد بالزعامة وبمقدّرات الأنبار. ويشير إلى أن «أغلب منتقِديه هم من الأحزاب والقيادات التي فشلت في الانتخابات وخسرت رصيدها الجماهيري في الشارع السُنّي، ولذا أخذت تتذرّع بهكذا اتّهامات باطلة، على الرغم من أنه لا يمكن نكران وجود خلافات داخل البيت السُنّي ووصولها إلى مستوى كبير».