بغداد | خلال شهر كانون الأول الجاري، وبالتزامن مع إحياء العراق الذكرى الخامسة لإعلان النصر على تنظيم «داعش»، قُتل 3 عناصر في الجيش العراقي، من بينهم آمر فوج برتبة مقدّم، وأصيب 5 آخرون على الأقلّ، في تفجير بعبوة ناسفة استهدف دورية عسكرية في قضاء الطارمية شمالي بغداد. وبعد ذلك، شنّ التنظيم هجومَين عنيفَين خلال 24 ساعة على محافظتَي كركوك وديالى، أوقعَ خلالهما عشرات الضحايا من المدنيين والعسكريين بين قتيل وجريح. وإذ أنبأت تلك التطوّرات بعودة «داعش» إلى تحريك خلاياه ونيّته تجديد نشاطه، فهي سرعان ما استثارت محاولات من قِبَل القوى الكردية للمطالبة بعودة «البيشمركة» إلى مدينة كركوك للإسهام في الإمساك بالملفّ الأمني فيها، فيما لا يزال سكّان المحافظة من العرب والتركمان يرفضون تواجُد أيّ قوّة غير الجيش و«الحشد الشعبي»، اللذين كانا استعادا السيطرة على المناطق المذكورة، في أعقاب الاستفتاء الكردي على الانفصال في عام 2017.وفي هذا السياق، يرى القيادي في «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، أردلان نور الدين، أنه «منذ رجوع سيطرة الحكومة المركزية على محافظة كركوك وخروج قوات البيشمركة منها، أصبحت هناك فجوة أمنية»، مضيفاً، في حديث إلى «الأخبار»، أن «داعش استغلّ هذه الفجوة لإقامة دورات تدريبية وشنّ هجماته، تارةً على قوات الجيش وتارة أخرى على البيشمركة»، معتبراً أن «عودة القوات الكردية إلى المحافظة ستعطي اطمئناناً أكبر لأغلب ساكني كركوك من جميع القوميات والمذاهب». لكنّ القيادي في «اللواء 56» التابع لـ«الحشد الشعبي» في قضاء الحويجة في محافظة كركوك، حسين علي، يعتقد أن السبب وراء تحرّكات «داعش» الأخيرة هو «قلّة عديد القوّات الأمنية المُمسِكة بالأرض، مقارنة بمساحة المنطقة الواسعة»، مستدركاً بأنه «عندما تكون هناك خلافات داخل الحكومة، تبدأ عصابات داعش بتنفيذ هجمات على قطعات أمنية»، وهو ما يدعوه إلى الاستنتاج أن «هذه الهجمات لا تخلو من الصبغة السياسية». وحول مسألة الخلاف بين الإقليم والمركز على كركوك، يلفت علي، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «كلّ المطلوبين والإرهابيين العُتاة من الخطّ الأوّل، هم حالياً متواجدون في إقليم كردستان، وعددهم لا يقلّ عن عشرين ألف قيادي في مدينة أربيل»، معتبراً ذلك «دليلاً على كونهم ورقة ضغط تستعملها حكومة أربيل ضدّ حكومة بغداد»، مقرّاً في الوقت نفسه بأن أحد العوائق أمام منْع تسلّل «داعش»، هو «كثرة أصحاب القرار، والتي تؤدّي إلى إرباك في العمل»، موضحاً أن «الخلافات تدور حول تقسيم القطعات والسيطرة عليها».
لا يزال سكّان كركوك من العرب والتركمان يرفضون تواجُد أيّ قوّة غير الجيش و«الحشد الشعبي»


على أن الناطق الرسمي باسم العمليات المشتركة، اللواء تحسين الخفاجي، يؤكد أن «هناك تعاوناً كبيراً بيننا وبين قوات البيشمركة وجهوداً مستمرّة لتفعيل العمل الاستخباري والأمني، خصوصاً في مجال ملاحقة ومطاردة الإرهابيين في مختلف مناطق العراق». ويشير الخفاجي، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «قوّاتنا غيّرت من خططها وتكتيكاتها العسكرية، ولأوّل مرّة في كركوك نقوم بعملية من دون استخدام جهد جوّي ومن دون طائرات استطلاعية تسند القوات الأمنية»، مضيفاً أن «الجيش استطاع من خلال نصْب الكمائن، على رغم الظروف الجوّية السيّئة، الاشتباك مع العدو في أعقد المناطق، وهي وادي شاي، وقتْل عناصر الإرهاب المتواجدين فيها». وحول حادثة كركوك الأخيرة، يكشف أن «التحقيق وصل إلى مراحل نهائية ومتقدّمة»، مؤكداً أنه «سوف يتمّ اتّخاذ قرارات مهمّة وحاسمة»، متابعاً أن «الحادثة جعلتْنا نُغيّر من خططنا وإجراءاتنا بما يسهم في عدم تكرار مِثل هذه الهجمات في المستقبل».
وإذ يستبطن حديث الخفاجي اعترافاً بوجود عيوب في تلك الإجراءات، فإن عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، حسين العامري، يحمّل القيادات الأمنية في المناطق التابعة لمحافظتَي كركوك وديالى، مسؤولية تكرار العمليات الإرهابية، داعياً رئيس الوزراء والقائد العام للقوّات المسلّحة، محمد شياع السوداني، إلى «تعزيز الاهتمام بالملفّ الأمني وتكثيف الجهد الاستخباراتي لمنع الهجمات»، ومطالِباً بـ«تحسين العناية بالجنود، وتفعيل قانون البديل بشأنهم حتى لا يُحمَّلوا جهداً أكبر من طاقتهم، وبالتالي تَضعف قدرتهم على أداء واجباتهم». وعلى رغم أهمّية هذه الاعتبارات، إلّا أن الخبير الأمني، أحمد الشريفي، يعتقد أن «مرونة التنظيم واستعادته قدرته على المشاغلة، ترتبطان بالأزمات السياسية داخل إقليم كردستان بين الحزبَين الكرديَّين الحاكمَين، فضلاً عن أن الخلافات بين الإقليم والمركز أحدثت ثغرات بين قواطع العمليات، استفاد منها داعش». ويلفت الشريفي إلى أنه «في هذه الفترة، بدأ التنظيم يعتمد أسلوب "الجماعات الجوالة"، بمعنى تقليل عدد المهاجِمين، والتركيز على الطبيعة الجغرافية العسكرية التي تتخادم مع فلسفة إدارته للمعركة القائمة على الكمائن والإغارة، سواء على القطعات العسكرية أو على المدنيين». وفي الاتجاه نفسه، يتحدّث العميد المتقاعد في الجيش العراقي، عدنان الكناني، عن وجود «قيادات أمنية طارئة على المنظومة تحاول تنفيذ بعض الأجندات لصالح أحزاب وجِهات سياسية»، معتبراً أن «بعض التحرّكات مدفوعة من قِبَل السياسيين بغرض الضغط على الحكومة»، مضيفاً أن «البعض في إقليم كردستان العراق يرغبون في عودة نفوذ البيشمركة إلى المناطق المتنازع عليها، إلّا أن هذا مستبعَد جدّاً في الوقت الحالي».