بغداد | يجري، منذ أيام، التهويل بأن العراق الذي تُحيي قوى «حراك تشرين» فيه، بعد أيام قليلة، ذكرى تظاهرات عام 2019، قد يكون أمام تشرين آخر، صدري - «تشريني» هذه المرّة، وسط الاستعداد لتظاهرات جديدة تستمرّ أياماً، ويُحتمل أن تُحدِث تغييراً في التوازن السياسي القائم في البلد. إلّا أن مثل هذا السيناريو يبقى مستبعداً، خصوصاً أن القوى التي تَعتبر نفسها ممثِّلة لـ«الحراك»، تجاهر برفضها السَّيْر في الركب نفسه مع «التيار الصدري»، على اعتبار أن الأخير كان جزءاً من الطبقة الحاكمة منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، وبالتالي ينطبق عليه ما ينطبق على القوى المنافِسة له من فساد في الحكم أوصل البلد إلى الوضع الذي يعيشه راهناً. كما أن التيار نفسه لم يعلِن صراحة مشاركته في التظاهرات المقرَّرة، وإنْ كانت تصريحات عدد من مسؤوليه أشارت إلى رغبة ضمنية في المشاركة، في محاولة أخرى منه لفرض إرادته على «الإطار التنسيقي» بالذهاب إلى انتخابات تشريعية جديدة وفق الشروط التي يريدها التيار، والتي تتلخّص في أن يَحلّ مجلس النواب - الذي انتُخب قبل عام تقريباً - نفسه، وأن يتمّ تنظيم اقتراع تحت إشراف حكومة تصريف الأعمال، برئاسة مصطفى الكاظمي.وتفيد المعطيات المتوافرة بأن الظروف التي حكمت بفضّ الاشتباك والخروج من الشارع والعودة إلى اللغة السياسية، ولو من دون تفاوض مباشر، بعد الليلة الدامية التي شهدتها «المنطقة الخضراء» في بغداد في نهاية آب الماضي، ما زالت قائمة. وجاء طرح الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، ليؤكد هذه الحقيقة، حين قال، قبل يومين وللمرّة الأولى، إن «التنسيقي» ليس «متمسّكاً» بترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء، في بادرة تجاه «التيار الصدري» الذي كان الترشيح قد دفعه إلى احتلال مجلس النواب قبل أسابيع، كما أنه «يؤيّد إجراء انتخابات جديدة ومستعدّ للقبول بمشاركة التيار في حكومة جديدة بنسبة عدد نوابه المنسحبين من البرلمان». وعكس هذا التصريح تراجع عدد القوى في الإطار المتمسّكة بترشيح السوداني، لتنحصر تقريباً في «ائتلاف دولة القانون» برئاسة نوري المالكي، الخصم الأساسي للصدر.
يستبعد مراقبون أن تمثّل التظاهرات المتوقّعة تكراراً لـ«حراك تشرين» أو عودة إلى مواجهات آب


ويستبعد مراقبون أن تمثّل التظاهرات المتوقّعة التي استعدّت لها القوى الأمنية بتشديد الإجراءات في بغداد، تكراراً لتجربة «حراك تشرين» أو عودة إلى المواجهات الدامية التي وقعت قبل شهر، على رغم كل الضخّ الإعلامي عن انتهاء ما سمّي «الهدنة» التي كانت قائمة خلال فترة إحياء أربعينية الإمام الحسين. ويقول المحلّل السياسي، أسامة السعيدي، القريب من «التيار الصدري»، لـ«الأخبار»، إنه يتوقّع أن تكون هناك تظاهرات استذكار لـ«حراك تشرين» 2019، وأن يُنظِّم أنصار الصدر من جهتهم تظاهرات، لكنه شكّك في أن يتمّ النزول إلى الشارع في الشكل الذي حدث في نهاية آب الماضي، مرجّحاً أن لا يكون التظاهر داخل «المنطقة الخضراء». كما أشار إلى أن لكلٍّ من التيار وقوى «الحراك»، موقفاً سلبياً من الآخر، مضيفاً أن «أغلب محرّكات تشرين 2019 لا ترغب في تعطيل العملية السياسية كالسابق، نظراً إلى ما يمرّ به العالم من أزمات وتحوّلات. والتيار ينتظر المفاوضات لتشكيل الحكومة وبعدها سينزل إلى الشارع ليبيّن وجهة نظره إذا كانت لديه اعتراضات. لكن لا أتوقّع أن تستمر التظاهرات أكثر من أيام معدودة».
من جهته، يرى القيادي في «تحالف الفتح»، علي الفتلاوي، في حديث إلى «الأخبار»، أنه «إذا كانت التظاهرات ستكون استذكاراً لتشرين وسلمية، من دون تعطيل أيّ مفصل من مفاصل الدولة، ولا تجاوزٍ على أيّ حق من حقوق الدولة، فلا يضرّ ذلك بالواقع. أما اذا كان الغرض منها انقلاباً مثل ما حدث خلال الشهر الماضي، فبالتأكيد على القوات الأمنية أن تحافظ على هيبة الدولة وأمن واستقرار العراق». وحمّل الكاظمي مسؤولية الحفاظ على الهدوء، قائلاً: «هذا الأمر مناط بالقائد العام للقوات المسلحة، والذي فشل أكثر من مرّة في هذا الصدد. وفي حال سُمح بإراقة دماء مرّة أخرى، فسيكون مسؤولاً أمام الله والشعب والقانون».
وفي أيّ حال، سيسبق التظاهرات المقرَّرة، حكم المحكمة الاتحادية بعد غد، في الطعن المقدَّم بقبول رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، استقالة النواب الصدريّين الـ73 من المجلس، بدلاً من طرحها على المجلس للتصويت عليها. وعلى رغم أن الصدريين الذين لم يقدّموا هذا الطعن، أظهروا عدم اكتراث بالقرار المتوقَّع، إلّا أن إبطال قبول الاستقالة يزعزع تركيبة البرلمان بعد احتلال خاسرين أوائل - معظمهم من الإطار - مقاعد الصدريين، ويدفع أكثر في اتجاه إجراء انتخابات مبكرة. كذلك، يُتوقع عقد جولة ثالثة من الحوار، أعلن الكاظمي أنه سيدعو إليها قريباً. وإذا كان من غير المتوقّع أن يشارك «التيار الصدري» في هذه الجولة، بعد مقاطعته الجولتَين السابقتَين، إلّا أنه قد يتبلور خلالها موقف يسمح ببدء مفاوضات بين الطرفَين الشيعيَّين حول شروط الانتخابات المبكرة، ولا سيما في ضوء بوادر تراجع الإطار عن ترشيح السوداني.