بغداد | بعد إخفاق التظاهرات السابقة التي دعا إليها زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر في فرض تحقيق أيّ هدف سياسي، نتيجة رفض القضاء العراقي مطلبه التدخل لحلّ مجلس النواب، في نهاية المهلة التي حدَّدها لذلك الأسبوع الماضي، قرّر الصدر الدخول في لعبة الأعداد، من خلال الدعوة إلى «تظاهرة مليونية» جرى تحديد موعدها، مساء أمس، يوم السبت المقبل. وتجلّت هذه الرغبة في بيان أصدره «وزير القائد»، صالح محمد العراقي، قال فيه - نقلاً عن الصدر - إنه «بعد انقسام الاحتجاج إلى فسطاطين، صار لزاماً عليّ أن أتحرّى أيّهما أكثر عدداً وأكثر تعاطفاً عند الشعب العراقي من خلال التوجه في تظاهرة سلمية مليونية إلى بغداد من كل محافظات العراق. فانتظروا التوقيت والتعليمات واستعدوا». ثمّ أصدر العراقي بياناً آخر نفى فيه أن يكون هدف التظاهرات فرض إرادة التيّار، متّهماً «الإطار التنسيقي» بفرض إرادته من خلال الثلث المعطّل. ومُني الصدر بانتكاسة سياسية بعدما رفض مجلس القضاء الأعلى الذي اجتمع، أمس، برئاسة رئيس محكمة التمييز الاتحادية القاضي فائق زيدان طلبه التدخل لحلّ مجلس النواب، معتبراً أن هذا ليس من صلاحياته، وداعياً كافة الجهات السياسية والإعلامية إلى عدم زجّ القضاء في الخصومات والمنافسات السياسية، ومؤكداً وقوفه على مسافة واحدة من الجميع «لأن الأساس الذي يرتكز إليه هو تطبيق الدستور والقانون».وتعليقاً على الدعوة إلى التظاهرة، يقول الناطق السابق باسم «التيار الصدري» الشيخ حسن الزركاني، في حديث إلى «الأخبار»، إن «السيد مقتدى الصدر يرى أن هذه هي الفرصة الأخيرة للإصلاح. فإنْ لم ينجح المجتمع العراقي في التآزر مع التيار الصدري لإنجاح عملية التغيير، فلن تكون هناك فرصة أخرى، ولن نستطيع أن نجري هذا التغيير، وسيأتي التغيير من خارج العراق لا من داخله، لأن التيار الصدري هو الجهة الوحيدة القادرة على تحمّل عملية التغيير والتضحية في سبيلها». ويضيف أنه «حين خرج أبناء التيار الصدري احتجاجاً على الطبقة السياسية المعزولة عن الشارع العراقي، وعلى البرلمان الذي لا يلبّي طموحات هذه الأمّة، وظّف الآخرون جماهيرهم للاحتجاج على الشعب، وهذا تناقض غريب. فإذا كانوا يعتقدون بأن هذه العملية وسيلة من وسائل إثبات ثقلهم في الشارع، فإن التيار الصدري سيعمل على تظاهرات تبيّن ثقل الأمّة المطالِبة بالإصلاح، والتي تريد أن تغيّر هذه المسارات التي أتعبت الشارع العراقي من الفساد».
يتخوّف «الإطار التنسيقي» من الوصول إلى صدام بين جماهيره وجماهير الصدر


وفي المقابل، يتخوّف «الإطار التنسيقي» من أن يؤدّي استمرار التظاهرات والتظاهرات المضادّة إلى صدام بين المتظاهرين، ومن ثمّ إلى حرب أهلية لا يسلَم ولا ينجو منها أحد. وفي هذا السياق، يقول القيادي في «تحالف الفتح»، سلام حسين، لـ«الأخبار»، إن «المشهد الحالي في العراق يخيّم عليه الضباب والرؤية فيه محدودة جداً، ويستلزم بل يفرض على جميع الأطراف، وعلى الفرقاء السياسيين بالذات، أن يفتحوا أعينهم جيّداً ليعرفوا الطريق ويتحاشوا - لا سمح الله - الوقوع في المحظور، وأقصد بهذا المحظور حصول صدام بين القواعد الشعبية للتيار الصدري والإطار التنسيقي». ويطالب حسين بـ«الحذر من أطراف أخرى، وما يعبّر عنه طرف ثالث لا يريد الخير لا للإطار ولا للتيار الصدري. هذا الطرف يتحرّك وفق أجندات أجنبية أميركية - صهيونية - خليجية، لغرض إرباك الوضع في العراق، وتوظيف كل ما يدور فيه لمصالحه الخاصة. وهذا ما نخشاه جدّاً، لأن الوضع العراقي الحالي يُنذر بالخطر. فإذا حصل صدام ستحصل حرب أهلية لا تُحمَد عقباها، ولا ينجو منها ولا يسلم أيّ طرف من الأطراف المتصارعة». إلّا أن القيادي العراقي يعتقد أن «التظاهرات والاعتصامات ستستمرّ، لكن ليس إلى ما لا نهاية»، داعياً «بقية أطراف العملية السياسية، وأقصد الإخوة الكرد في إقليم كردستان، والإخوة السنة في المنطقة الغربية، وهم شركاء في الوطن وأطراف فاعلة في الملف السياسي، إلى التدخل والعمل على تقريب وجهات النظر بين الطرفين، ودفعهما إلى الجلوس إلى طاولة الحوار. ففي هذه الحال، ستنتهي الاعتصامات والتظاهرات قريباً، ونصل إلى قواسم مشتركة وتنتهي الأزمة. وأتوقع أن تحصل استجابة للمطالب، لكن هذه الاستجابة تستلزم أن يحتكم الطرفان إلى المفاوضات». ويكشف أن هناك «تحرّكات على مستوى الإطار لتشكيل لجان لغرض الحوار مع الإخوة في التيار الصدري، وحتى مع العامل الدولي المتمثّل بموفدة الأمم المتحدة جينين بلاسخارت، لغرض سدّ الفجوة وتقريب وجهات النظر، ونأمل خيراً في الحركة، بخاصة مع الحاج هادي العامري ومحمد الحلبوسي. فحالياً هناك جلسات معدَّة لهذا الغرض».
وعن دور حكومة تصريف الأعمال برئاسة مصطفى الكاظمي، يقول حسين إنها «حكومة منتهية الصلاحية وقراءتي لدورها أنه دور سلبي وضعيف جداً، إن لم أقل إنها متّهمة بالتحيز. فقد كشف موضوع التظاهرات التي حصلت سواء بدخول البرلمان من قِبَل الإخوة في التيار الصدري أو التظاهرات قبل أيّام عند المنطقة الخضراء، عن تحيّز الحكومة التي أفسحت المجال لجماهير التيار بالدخول إلى داخل البرلمان من دون أن تحرّك القوات الأمنية ساكناً إطلاقاً. وفي المقابل منعت حركة جماهير الإطار التي تظاهرت على أسوار الخضراء. هذه الأمور تسجَّل على الحكومة التي يجب عليها أن تكون حكومة عراقية وتنظر إلى الجميع على أن لهم حقاً وعليهم واجبات، وعلى القوى الأمنية أن تقوم بواجباتها. لكن موقف الحكومة ضعيف وعليها علامات استفهام وهذا الوضع سيضرّ بالبلاد».
في المحصلة، يشير التصعيد «الصدري» إلى أن لعبة الشارع اقتربت من نهايتها؛ فإمّا العودة إلى طاولة التفاوض، وإمّا الذهاب إلى مواجهة قاسية، أكد الطرفان - حتى الآن - حرصهما على تجنّبها.