بغداد | اختار طرفا المواجهة السياسية في العراق العودة إلى لغة الشارع، في التعبير عن مطالبهما المتضادّة، والتي بدا لوهلةٍ في الأيام الماضية أنها قد تجد سبيلها إلى الالتقاء عند نقطة ما، قبل أن تأتي منازلة أمس في «المنطقة الخضراء»، وتعيد فتْح الأبواب على تصعيد محفوف بالمخاطر. والظاهر أن مقتدى الصدر لم يستنفد أوراقه كلّها في هذه اللعبة، التي يريد إيصالها إلى ذروتها أملاً بنيْل مطلبه المتمثّل في إجراء انتخابات مبكرة في ظلّ الحكومة الحالية، بينما يجد «الإطار التنسيقي» نفسه مرغماً على النزول إلى الملعب عينه، حتى لا يجد نفسه مجرَّداً من أيّ ورقة في مواجهة شارع ضاغط، على رغم اعتقاده بأن الصدر سيضطرّ في نهاية المطاف إلى الجلوس حول طاولة التفاوض
نهايةُ أسبوع حامية عاشها العراقيون، مع توسيع أنصار «التيار الصدري» تحرُّكهم في الشارع، ليشمل أنحاء البلاد كافة، مطالبين بحلّ مجلس النواب عبر القضاء. توسيع استبطن مخاطرةً بالانجرار إلى صدام مع جمهور «الإطار التنسيقي»، الذي أنزل جمهوره، هو الآخر، إلى ساحات التظاهر، بعدما سدّ زعيم «الصدري»، مقتدى الصدر، كلّ أبواب التفاوض. وجاء اختيار الطرفَين التوقيت نفسه للتظاهر على أسوار «المنطقة الخضراء»، أي الخامسة بعد ظهر أمس، ليعيد فتح احتمالات المواجهة، والتي كان الطرفان قد أبديا حرصاً شديداً على تَجنُّبها. وعلى رغم أن الصدر جدّد دعوته، أمس، إلى الحفاظ على السلمية، مُتوجّهاً إلى جماهير «التنسيقي» بالقول: «إن قرّرتم التظاهر تزامناً مع تظاهرات الإصلاح، فلْتكن تظاهراتكم سلمية ولْتحافظوا على السلم الأهلي»، إلّا أنه استدرك بأن «أيدينا ممدودة لكم يا جماهير الإطار دون قياداته لنحاول إصلاح ما فسد»، في مقابل إعلان الأخير، مساءً، «الاعتصام المفتوح حتى تحقيق المطالب العادلة»، وهو ما يشي بأن لُعبة الرهان على الشارع لم تصل إلى خواتيمها بعد.
ويأتي التصعيد الأخير بعدما أمهل الصدر القضاء العراقي حتى نهاية الأسبوع لحلّ مجلس النواب، وهو ما يرفضه «التنسيقي» الذي يريد الاتفاق على شروط الانتخابات الجديدة، قبل أن يقوم المجلس بحلّ نفسه، وفق ما ينصّ عليه الدستور، لا أن يحلّه القضاء. وعن الخطوة التالية لـ«الصدري»، يقول القيادي في التيار، النائب السابق رياض المسعودي، لـ«الأخبار»، إنه «إذا لم يأخذ القضاء دوره الحقيقي في تصحيح مسارات الأخطاء الدستورية... فستكون للشعب العراقي الكلمة الفصل»، لافتاً إلى أن «الدستور العراقي هو دستور أغلبية وليس دستور إجماع، كما يروّج له البعض، ولكن لم تعمل جميع القوى السياسية أو الأغلب الأعمّ منها وفق مبدأ الأغلبية، وإنّما عملت على أساس المحاصصة وما يُعرف بالإجماع وتقسيم الكعكة بين جميع الشركاء... وهذه نقطة تسبّب إشكالية حقيقية». وينفي المسعودي أن يكون الخلاف الحالي «خلافاً شخصياً بين التيار الصدري وبقيّة القوى السياسية الشيعية، أو تنافساً بغرض المصالح والحصول على مكتسبات تتعلّق برئاسة الوزراء، أو قضية تخصّ مكوّناً أو حزباً أو طبقة سياسية أو اجتماعية أو فكرية»، مبيّناً أن «القضية ترتبط بوجود رؤية حقيقية لدى الصدر الذي يسعى على الدوام إلى بناء مشروع سياسي عراقي واعد، مرتكزاته الأساسية حكومة عراقية قوية... تنتشل البلاد من الواقع السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي والبيئي والإداري الكارثي».
يطالب «التنسيقي» الصدر بإخراج جمهوره من «الخضراء» قبل الذهاب إلى الحوار


ويرى القيادي «الصدري» أن «التيار يخطو خطوات شعبية دستورية إصلاحية، بينما بقيّة القوى السياسية تخطو خطوات تصعيدية غير دستورية وغير شعبية»، متابعاً أن «التيار لا يَنشد الحلول المحاصصاتية والترقيعية، وإنّما يَنشد الحلول الاستراتيجية والمستدامة والثابتة». ويؤكد «(أننا) ساعون في اتّجاه تصفير المشكلات وتحديد المعايير التي يمكن من خلالها تحقيق قفزات نوعية في العملية السياسية برمّتها»، مضيفاً إن «مطالب التيار الصدري واضحة، وهي ليست جديدة؛ ففي عام 2014، اقترحنا حكومة تكنوقراط من المستقلّين، وفي عام 2018 أيضاً طالبنا بذلك. وبعد انتخابات تشرين الأول الماضي، هناك جهات عطّلت؛ فعدم حضور 130 نائباً في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية هو ليس من مبدأ الأغلبية، وإنّما من مبدأ التعطيل». ويختم حديثه بالقول إن «رؤيتنا واضحة وثابتة»، وعنوانها «تصحيح وتغيير مسارات العملية السياسية وليس ترقيعها». وفي الاتجاه نفسه، أكد خطيب صلاة الجمعة التابع لـ«الصدري»، مهند الموسوي، أمس، أن «لا تراجع عن مطالب الثورة ولا مساومة عليها لأنها مطالب الشعب»، واصفاً «الرهان على كسْر شوكة الصدر» بأنه «بائس وفاشل».
في المقابل، دعا «الإطار التنسيقي»، في البيان الصادر عن اللجنة المنظِّمة لتظاهراته مساء أمس، إلى «الإسراع في تأليف حكومة خدمة وطنية كاملة الصلاحيات وفق السياقات الدستورية»، مشدّداً على ضرورة «التعجيل في حسم مرشّح رئاسة الجمهورية وتكليف مرشّح الكتلة الأكبر برئاسة الوزراء»، معلِناً «الدعم التامّ للقضاء العراقي، ورفض أيّ تجاوز عليه، ومطالبة رئيس مجلس النواب بإنهاء تعليق العمل والتحرّك لإخلاء المجلس». يرى القيادي في «الإطار التنسيقي»، جبار المعموري، في حديث إلى «الأخبار»، أن «هناك مدّعيَ إصلاحٍ يحاول أن يبرّر انتهاكاته التي ارتكبها وهو في باحة البرلمان، وتجاوزه على مؤسّسات الدولة؛ وهناك فريق آخر يريد الحفاظ على مؤسّسات الدولة والشرعية، يتمثّل في الإطار التنسيقي، الذي تظاهَر أمس، كما سابقاً، على أسوار المنطقة الخضراء للمطالبة بالحفاظ على الدستور والقانون والشرعية». ويتّهم المعموري الحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي بأنها «عاجزة وتابعة وخانعة»، عبر فتْحها المجال أمام أنصار الصدر لـ«دخول الخضراء والعبث بها». ويؤكد «أننا سنحتكم إلى القضاء، وهو الفيصل بيننا»، متوقّعاً أن يوعز الصدر، في نهاية المطاف، إلى أنصاره بالانسحاب «ثمّ نجلس جميعاً للتفاهم». وحول رؤيته للحلّ، يعتقد أنه «يجب أن يكون تحت قبّة البرلمان الذي ينبغي أن تنعقد جلساته»، معتبراً ذلك «الخيار الأفضل الذي سيحقّق مطالب الشعب وخدمته». ويتحدّث عن «حوارات قريبة سوف تأخذ بشروط الطرفَين»، مرجّحاً «التوصّل خلال الأيام المقبلة إلى تفاهمات وحلّ وسط».