بغداد | أخيراً، وبعد طول أخذ وردّ، حسم «الإطار التنسيقي» أمره، معلِناً ترشيح محمد شياع السوداني لخلافة مصطفى الكاظمي على رأس الحكومة الجديدة. وعلى رغم أن اسم السوداني ظلّ ملاصِقاً لاسم نوري المالكي طوال سنوات، إلّا أن «التنسيقي» يراهن، على ما يبدو، على أن هذا الاسم لن يكون مستفزّاً لـ«التيار الصدري»، وبالتالي لن يدفعه إلى إشعال الضوء الأحمر بوجهه. لكن ذلك التفاؤل يظلّ رهْناً بما سيكون عليه موقف القوى الكردية ـــــ بالدرجة الأولى، والسنّية بالدرجة الثانية ـــــ التي لا تزال منقسمة على هويّة مرشّحها لرئاسة الجمهورية، الأمر الذي من شأنه وضع الكثير من التعقيدات أمام نيْل السوداني الثقة. وفي انتظار اتّضاح موقف الصدر وحلفائه السابقين، يمكن القول إن كوّة انفتحت في جدار الأزمة السياسية، لكن في الوقت نفسه يلوح في الأفق شبح «ماراثون» طويل ومفاوضات شاقّة، لا يُعلَم إن كان سينجلي عن انفراج للانسداد الذي يعيشه العراق
على مدار أشهر، كان الحديث لا يغادر اجتماعات القوى السياسية (السنّية والشيعية والكردية) عن احتمال حلّ البرلمان والتّوجّه إلى إجراء انتخابات مبكرة جديدة، وذلك بسبب الخلافات السياسية المستعصية على الحلّ، منذ ولادة مجلس النواب الحالي. وتصاعَد هذا الحديث مع انسحاب الكتلة «الصدرية» من البرلمان، وقبْله استمرار الخلاف الكردي - الكردي على رئاسة الجمهورية، والخلاف الشيعي - الشيعي على رئاسة الحكومة، ما رفَع حظوظ رئيس الوزراء الحالي، مصطفى الكاظمي، للبقاء في المنصب لعام آخر.
لكن «الإطار التنسيقي»، وبعد عقْده 103 اجتماعات رسمية، نجح أخيراً في فكّ عُقدة ترشيح خليفة للكاظمي، بعدما صوّت بالإجماع لمصلحة محمد شياع السوداني، الذي بقي اسمه ملاصقاً لرئيس «ائتلاف دولة القانون»، نوري المالكي، لسنوات، قبل أن يستقيل من «حزب الدعوة الإسلامية – تنظيم العراق» في عام 2019، عندما طُرح بديلاً من عادل عبد المهدي، لتَرفضه هو الآخر ساحات الاحتجاج بمعيّة «التيار الصدري».
ينبئ اختيار «التنسيقي» السوداني بنيّته عدم استفزاز الصدر


ويوضح مصدر في «التنسيقي»، في حديث إلى «الأخبار»، أن عملية تقديم مرشّح لخلافة الكاظمي مرّت بمرحلتَين: الأولى تضمّنت اقتراح كلّ زعيم كتلة في «الإطار» (وهو تحالف يضمّ القوى الشيعية كافة باستثناء «الصدريين») مرشّحَين اثنَين لرئاسة الوزراء، وهو ما انتهى إلى ترشيح 11 شخصاً. ويضيف المصدر إن المرحلة الثانية شهدت اتفاقاً على استبعاد الخطّ الأوّل الذي يضمّ الزعامات الشيعية المخضرمة، من سباق رئاسة الحكومة، لتستقرّ التصفية على 4 أسماء هي: حيدر العبادي، محمد شياع السوداني، قاسم الأعرجي وعبد الحسين عبطان. في المقابل، كان هناك تذبذب حول طرْح اسم رئيس الوزراء الحالي، الذي صعدت أسهمه أخيراً بالنظر إلى دوره في المفاوضات بين الرياض وطهران، والذي جرى ترويجه على أنه وسيلة لتجنيب البلاد تبعات الصراعات والخلافات الإقليمية.
وإذ ينبئ اختيار «التنسيقي» السوداني بنيّته عدم استفزاز الصدر، فهو يؤشّر أيضاً إلى أن «الإطار» يعوّل على افتراض أن مختلف القوى السياسية، على رغم الخلافات في ما بينها، تريد المُضيّ في تشكيل الحكومة الجديدة، وليس الذهاب نحو الانتخابات المبكرة، وخصوصاً أن الأجواء السياسية والشعبية غير جاهزة لهذه العملية، التي تحتاج إلى جهود حكومية كبيرة وتخصيصات مالية ضخمة، فيما لا تحبّذ قوى «التنسيقي» بقاء حكومة الكاظمي لفترة أطول. إلّا أن حقيقة دخول الصدر في صراع كبير مع قوى «الإطار»، وانسحابه من العملية السياسية، قد تضع عوائق جدّية في طريق نيل السوداني الثقة، ولا سيما أن موقف الكتل الكردية، وتحديداً «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، لا يزال ضبابياً من دعم مرشّح «التنسيقي»، شأنه شأن موقف «تحالف السيادة» الذي يجمع رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، برجل الأعمال المعروف خميس الخنجر. وعليه، ربّما يكون العراق مقبلاً على ماراثون طويل ومفاوضات صعبة، وخصوصاً إذا ما امتنع الصدر عن إعطاء الضوء الأخضر لتشكيل حكومة جديدة، أو إذا ما قرّر مواجهة هذا المسار برمّته بأدواته الخاصة، وعلى رأسها الشارع.