بغداد | مع الهجوم العنيف الذي شنّه مقتدى الصدر أمس على نوري المالكي، تكون أزمة التسريبات المنسوبة إلى الأخير بحقّ الأوّل قد بلغت ذروتها؛ إذ اتّهم الصدر، المالكي، بتهديده بالقتل، متحدّثاً عن احتمال «أن يتدخّل طرف ثالث لتأجيج الفتنة»، وداعياً إلى «إطفائها من خلال استنكار مشترك من قِبَل قيادات الكتل المتحالفة معه». كما طالبه بـ«إعلان الاعتكاف واعتزال العمل السياسي، أو تسليم نفسه إلى الجهات القضائية». وبهذا الموقف، يكون الصدر قد سدّد ضربته الكبرى إلى غريمه، الذي كانت جاءت حفلة التسريبات لتُهشّم طموحه إلى رئاسة الحكومة، في وقت يعيش فيه «الإطار التنسيقي» مخاضاً صعباً من أجل الاتفاق على مرشّح لا يكون عنوان مواجهة مع «التيار الصدري»، الذي يرْكن على ما يبدو إلى أن الانتخابات المبكرة قادمة، سواءً بحكومة جديدة أو من دونها
أدّت الموجات المتلاحقة من التسريبات المنسوبة إلى رئيس «ائتلاف دولة القانون»، نوري المالكي، والتي يهاجم فيها شخصيات عراقية أساسية، مثل زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، وزعيم «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، مسعود بارزاني، ورئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، وغيرهم، إلى إثارة حساسيات في العراق، على الرغم من نفْي المالكي أن تكون عائدة إليه، ونسْبه إيّاها إلى عملية تزوير لصوته، وعلى الرغم كذلك من سعْي الأطراف المعنيّة إلى التخفيف من آثارها «تجنُّباً للفتنة». إلّا أن ما يحدث يعكس بوضوح حجم المأزق الذي سيقود إليه ترشيح المالكي؛ أوّلاً بسبب الانقسام حوله، وإن المضمر، داخل «الإطار التنسيقي» نفسه؛ وثانياً باعتباره - بالتسريبات أو من دونها - مرشّحاً استفزازياً للصدر الذي قد يعجّل مجيءُ المالكي في نزول أنصاره إلى الشارع، بعد أن ربط كثيرون بين تحرّكه المتوقّع هذا، وبين تشكيل الحكومة، فكيف إذا كانت الحكومة برئاسة غريمه الأساسي؟؛ وثالثاً لأن اسم المالكي يرتبط بالفترة التي صعد فيها تنظيم «داعش» في العراق، وفشل الجيش والقوى الأمنية في منْع هذا الصعود، حيث حُمّل الرجل جزءاً من المسؤولية عن ذلك، كونه كان رئيساً للوزراء في تلك الفترة.
يواصل «الإطار التنسيقي» مساعيه للتوافق على مرشّح لرئاسة الحكومة


ومن بين ما نُسب إلى المالكي في مقطع نشره السبت الماضي الصحافي العراقي، علي فاضل، أن «المرحلة المقبلة هي مرحلة قتال، وأن الصدر يريد الدم كما يتحدّث هو بذلك، وأخبرْت رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أنّي لا أثق بالجيش والشرطة، وكلّ واحد سيدافع عن نفسه، وأنا سأدافع عن نفسي وأنا أعمل لها ولدينا دبابات ومدرعات ومُسيّرات. وأول عشيرة استعدت لذلك هي عشيرة بني مالك التي ستعلن في مؤتمر صحافي في البصرة وبغداد أنه في حال التحرّش به (أي بالمالكي) فإننا سنتدخّل». كما يُنقل في المقطع المذكور عن رئيس الوزراء الأسبق قوله إن «العراق مقبل على حرب طاحنة لا يَخرج منها أحد، إلّا في حال إسقاط مشروع الصدر، وبارزاني، والحلبوسي»، واتّهامه بارزاني بـ«ضرب الشيعة» عبر احتضان «السنّة»، واختراق الوضع الشيعي باستخدام الصدر، فضلاً عن تفاخره بأنه أراد جعل «الحشد الشعبي» مشابهاً للحرس الثوري الإيراني. بناءً عليه، ففي حال استمرّ المالكي في إشهار نيّته الترشّح لرئاسة الوزراء، وهو يفعل، كما سبق لبعض معاونيه أن أكدوا، باعتبار هذا من حقّه، فإنه سيؤثّر سلباً على فُرص «الإطار التنسيقي» الضعيفة أصلاً لتشكيل حكومة، وسيعيد خلط الأوراق في اتّجاه إجراء انتخابات نيابية جديدة، يبدو الصدر راغباً فيها، إنّما بعد إثبات عجز خصومه السياسيين عن تشكيل حكومة جديدة. ولذا، فإن قوى «الإطار» تبدو في موقف حرج، وهذا، مثلاً، ما دفع برئيس «تيار قوى الدولة»، عمار الحكيم، الذي نال، مثل المالكي، حصّة وازنة من النواب البدلاء لـ«الصدريين» المستقيلين، إلى إعلان عدم مشاركته في الحكومة.
وفي هذا الإطار، يعرب القيادي في «ائتلاف دولة القانون»، وائل الركابي، في حديث إلى «الأخبار»، عن اعتقاده بأن التسريبات التي «نُفيت بشكل رسمي من قِبَل السيد نوري المالكي (...) تقف خلفها أطراف خارجية تُحاول خلق أزمة وفتنة داخليّتين، لأن كلّ محاولات جعل الموقف الشيعي - الشيعي في حالة من الاقتتال الداخلي، فشلت نتيجة حكمة كلّ الأطراف الشيعية، سواء الصدرية أو الإطار التنسيقي، فبدأوا الآن في هذه التسريبات لعلّها تعيد نفس الكرّة، أو تزيد من الفجوة بين الأطراف الشيعية». ويرى الركابي أن «الهدف ربّما كان محاولة تفكيك الإطار بعد تماسكه، وخلق أزمة جديده تُحوّل الأنظار عن تشكيل الحكومة»، لافتاً إلى أن «هناك لجنة شكّلتها دولة القانون لمتابعة تلك التسريبات واللجوء إلى القضاء واستخدام كلّ السبل القانونية لكشف مَن يقف خلفها».
وتأتي أزمة التسريبات هذه في وقت يواصل فيه «الإطار التنسيقي» مساعيه إلى التوافق على مرشّح لرئاسة الحكومة، وحسم هوية المرشّح لرئاسة الجمهورية، وهو ما صبّ في إطاره الاجتماع الذي انعقد أمس في البرلمان بين الحلبوسي ورؤساء الكتل البرلمانية، حيث جرى «حثّ القوى الكردية على الإسراع في تفاهماتها لحسم منصب رئيس الجمهورية في أسرع وقت». وفي هذا السياق، يَعتبر نائب الأمين العام لـ«تيّار الفراتين»، بشار الساعدي، في حديث إلى «الأخبار»، أنه «لا شيء أمام الإطار سوى النجاح في تشكيل الحكومة أولاً، ثمّ إنجاح هذه الحكومة، ضمن التحدّي الذي وُضع فيه الإطار من طرفَين، الأول هو المهل التي أعطاها السيد مقتدى الصدر لأكثر من مرّة، والثاني تصرّفات رئيس حكومة التصريف الأعمال غير المسؤولة»، مشدّداً على أنه «لا بدّ من أن تأتي الحكومة الجديدة بمنهاج قادر على تحقيق متطلّبات الشعب، فالرأي العام اليوم ينتظر أيّ فشل من الحكومة كي ينقضّ عليها».