بغداد | أقرّ البرلمان العراقي، في وقت متأخر من نهار أمس، قانون «الأمن الغذائي»، بعدما عاود «التحالف الثُّلاثي» محاولاته اختراق الجدار المسدود للأزمة السياسية، من دون اتّفاق مع القوى المعارضة له، عن طريق إعادة تعويم القانون المذكور، والذي سبق أن رفضته المحكمة الاتحادية العليا عندما أقرّته الحكومة بقرار. وعلى رغم التعديلات التي طرأت عليه، إلّا أن قوى المعارضة في «الإطار التنسيقي» وغيره، ظلّت، إلى وقت انعقاد جلسة المناقشة، على رفضها المشروع الذي يشمل صرف 17.5 مليار دولار خارج الموازنة، مشتبهةً في أن جزءاً من هذا المبلغ سيُستخدَم لكسب الولاءات
مجدّداً، التفّت قوى «التحالف الثلاثي» على حُكم المحكمة الاتحادية، التي أسقطت قرار حكومة مصطفى الكاظمي بشأن «الأمن الغذائي»، ورفَضت توسُّع حكومة تصريف الأعمال في ممارسة الصلاحيات. وعلى رغم العمل على ما سمّته تلك القوى معالجة الثغرات التي يتضمّنها القانون، إلّا أنه يتّضح عبر أبواب الصرف المحدَّدة في المشروع، أن الغاية منه لا تزال استخدام الأموال لكسب الولاءات، لأنه بمعظمه مخصَّص لدعم مفردات البطاقة التموينية والفلاحين ووزارة الكهرباء وتنمية المحافظات والأقاليم والحماية الاجتماعية ودعم الزراعة، علماً أن الإنفاق يتمّ على هذه البنود على القاعدة الاثني عشرية في غياب الموازنة، نتيجة الفشل في تشكيل حكومة جديدة لإقرار موازنة جديدة. ومع تمكُّن «الثلاثي»، الذي يضمّ «التيار الصدري» و«تحالف السيادة» و«الحزب الديموقراطي الكردستاني» من تمرير مشروع القانون في مجلس النواب، فإنه يبقى عرضة للطعن أمام المحكمة الاتحادية؛ ذلك أن الحجّة التي قام عليها الطعن، وهي وضعيّة الحكومة، لم تتغيّر، وعليه فإن الحلّ يكون بتشكيل حكومة أصيلة تتولّى الإنفاق، وهذا ما يسعى التحالف إلى الالتفاف عليه، باعتبار أنه لا يستطيع بمفرده تشكيل حكومة جديدة، وإذا قبل بحكومة توافقية فإنه لن يتمكّن من الانفراد بقراراتها.
وفي إشارة واضحة إلى أن المشروع يفتح باب التكسّب، ربط النائب عن محافظة البصرة، رفيق الصالحي، تصويته لصالح القانون بتضمينه «حقوق المحافظة كاملة»، معتبراً أن «البصرة تمثّل رئة العراق الاقتصادية، وعلى رغم هذا لم يتمّ تضمين حقوقها كاملة في القانون، في حين أن إقليم كردستان لم يُؤخذ من صادراته النفطية أيّ دينار»، ومع ذلك هو يستفيد من القانون، ملمّحاً بهذا إلى معاملة تفضيلية من قِبَل مقتدى الصدر لإرضاء شريكه في «الثلاثي»، مسعود بارزاني.
«الفتح»: من يبحث عن أمن غذائي عليه أن يوزّع فائض الثروة على الشعب


من جهته، يلفت القيادي في «تحالف الفتح»، محمود الحياني، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «القانون يواجه اعتراضاً من قوى سياسية مختلفة، وليس الإطار التنسيقي فقط، وهو يتضمّن خروقات قانونية، ومنها خرق قرار المحكمة الاتحادية بأنه لا يجوز اعتماد هكذا قرار»، محذّراً من أنه «إذا جرى اعتماده فإن نتائجه لن تكون جيّدة». ويؤكد أن «تحالف الفتح والإطار يرفضان التصويت على هذا المقترح لأن لا مصلحة فيه للشعب العراقي، وربّما سيستفيد منه حيتان الفساد والشركات التي تعمل مع بعض الفاسدين الموجودين في البلد، وسيذهب أكثر هذه الأموال لهم، ولن يطاول الشعبَ العراقي منها سوى جزء بسيط. أمّا إذا كان هناك مَن يبحث عن أمن غذائي للمواطن العراقي، فعليه أن يوزّع فائض هذه الثروة على الشعب العراقي على شكل أموال أو على شكل مواد غذائية تكون أساسية، وهذا لن يتمّ اليوم لأن وزارة التجارة عاجزة عن توفير الحصّة الغذائية الكاملة بسبب النقص المالي الموجود»، مشيراً إلى أن «حكومة تصريف الأعمال لا تستطيع إصدار القرارات والقيام بما يخدم المواطن العراقي، وهي لا ترتبط بالبرلمان الحالي، لأن الذي صوّت عليها هو البرلمان السابق، ولذا يجب أن تكون هناك حكومة جديدة تستطيع إدارة شؤون البلد».
وتحصل هذه التطوّرات على خلفيّة أجواء مشحونة يشهدها العراق، في ظلّ ارتفاع درجات الحرارة واستمرار أزمة الكهرباء، فضلاً عن مطالبة الآلاف ممّن يملكون عقوداً إدارية بالتثبيت في الملاك الدائم لموظّفي الدولة، وأضعافهم ممّن يحملون شهادات عليا، وآخرين يعملون بشكل محاضرين مجانيين في وزارة التربية، تظاهروا أخيراً على أسوار المنطقة الخضراء في بغداد. ويلحظ مشروع قانون «الأمن الغذائي» تخصيص أموال لهؤلاء، بما يوحي بأن تحرّكهم يأتي للضغط في اتجاه إقرار القانون في المجلس. وتشهد مدن عديدة في جنوب العراق، ولا سيما البصرة، منذ أيام، تظاهرات تخلّل بعضها قطع طرق ومهاجمة دوائر حكومية، بسبب تراجع مستوى التغذية الكهربائية للمدن، مع ارتفاع درجات الحرارة واستمرار أزمة شحّ المياه.