بغداد | الطرح الذي جرى تداوله في الأيام الأخيرة في العراق، حول تشكيل حكومة انتقالية برئاسة مصطفى الكاظمي لمدّة عام، على أن تُجرى خلال هذه الفترة انتخابات مبكرة تحسم الأحجام بين القوى السياسية المختلفة ولا سيما داخل «الصفّ الشيعي»، اعتُبر من قِبَل خصوم «التحالف الثلاثي» في «الإطار التنسيقي»، على أنه محاولة أخرى للالتفاف على مقتضى تشكيل حكومة متوافَق عليها، كما تفرض نتائج الانتخابات. فالكاظمي، بالنسبة إلى «التنسيقي»، خدم الأطراف التي شكّلت لاحقاً «الثلاثي» (التيار الصدري وتحالف السيادة والحزب الديموقراطي الكردستاني)، في الانتخابات الأخيرة التي جرت في العاشر من كانون الأول الماضي، وأفضت إلى فوز نسبي لأطراف التحالف. ويتوجّس «الإطار» من أن تقود حكومة برئاسة رئيس الوزراء الحالي إلى صرف النفوذ في أيّ انتخابات مقبلة لمصلحة أطراف الائتلاف نفسه، وخاصة أن هؤلاء، ولا سيما «الصدري»، حاضرون بقوّة في الوظائف الحكومية التي تتيح لهم تسخير الإمكانات لغايات انتخابية.في هذا الإطار، يقول رئيس «كتلة النهج الوطني» التابعة لـ«التنسيقي»، النائب أحمد طه الربيعي، في حديث إلى «الأخبار»، إن «ما يتمّ تداوله حول الذهاب إلى حكومة انتقالية برئاسة الكاظمي، مجرّد كلام وتخرّصات ليس لها أساس»، لافتاً إلى أن «الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال يومية، وسوف تبقى موجودة إلى حين الاتفاق على حلّ الإشكاليات العالقة، بدءاً من تسمية مرشّح رئاسة الجمهورية وجلسة التصويت عليه وما بعده، وتسمية الكتلة الكبرى، واختيار الحكومة. وبالتأكيد، كلّ هذه الأمور متوقّفة على مدى تقارب وجهات النظر بين الفرقاء». ويَعتبر الربيعي أن «هذا الخبر وغيره، مثل موضوع حلّ البرلمان وكثير من الأمور، تأتي للضغط الإعلامي على الكتل التي لم تحدّد قرارها، وكذلك للضغط على المستقلّين بخصوص حلّ مجلس النواب، وعلى أطراف الإطار التنسيقي والقوى القريبة منه والمؤيّدة لبرنامجه. كلّها، بحسب تصوّري، ضغوط إعلامية لغرض تشكيل الحكومة والمُضيّ بها من قِبَل التحالف الثلاثي». وفي الاتّجاه نفسه، يَعتبر القيادي في «تيار الحكمة»، رحيم العبودي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «القضية تتعلّق بمناورة أو تكتيك سياسي من التحالف الثلاثي، ليبقى مسيطراً على السلطتَين التشريعية والتنفيذية»، مشيراً إلى أن «حلّ البرلمان يجب التفاهم عليه، لأنه يتطلّب ثلثَي أعضاء مجلس النواب أو أن يأتي بمقترح من رئيس الجمهورية أو الوزراء مع مصادقة رئيس الجمهورية عليه، وبالتالي هذا غير متاح الآن».
ستبقى حكومة الكاظمي حكومة مؤقّتة تُصرّف الأعمال في أضيق نطاق


وإذ يلتزم نواب وقيادات «التيار الصدري» و«تحالف السيادة» بالصمت، ولا يدلون إلّا بتصريحات مُجازة من القيادة، يَعتبر القيادي في «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، هيثم المياحي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «من حقّ كلّ طرف، سواءً الإطار التنسيقي أو التيار الصدري أو تحالف السيادة أو إنقاذ وطن، أن تكون له رؤية من أجل الوصول إلى حلّ لهذه الأزمة»، مستدركاً بأن «الحلّ لن يكون سريعاً، سوف نحتاج إلى فترة زمنية، وسوف تتدخّل أيضاً المحكمة الاتحادية مجدّداً، وسوف ندخل في الفراغ الدستوري، وستبقى الأمور على ما هي عليه، إلى حين إبرام اتفاق بين الكتل والزعامات الكبرى». وأضاف أن «هذا من شأنه أن يجعل الحكومة تتطرّق إلى أمور مثل منحة الطوارئ والأمن الغذائي، من أجل التصرّف بما بقي من أموال في داخل الخزينة، سواءً من واردات النفط أو غيرها، وستتأخّر ميزانيتنا وإقرارها لهذه السنة وتبقى الأحزاب على ما هي عليه إلى حين الاتفاق».
الخلاصة أن لا مخارج من الأزمة السياسية في العراق إلّا بالتوافق. ومثلما أن انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة يحتاجان إلى توافق، فإن حلّ البرلمان والذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة لا يتمّان إلّا بالأمر نفسه. وغير ذلك، ستبقى حكومة الكاظمي حكومة مؤقّتة تُصرّف الأعمال في أضيق نطاق، وهذا ما خلص إليه حُكم المحكمة الاتحادية الذي أسقط قرار الحكومة حول «الأمن الغذائي»، والقاضي بإنفاق ما يصل إلى 17.5 مليار دولار خارج الموازنة. وعليه، يمكن القول إن انتظار التحالف الثلاثي تدخّلاً جديداً من المحكمة الاتحادية، لا يبدو في مكانه.