بغداد | لم يكن الهدف من مشروع القانون الذي قدّمه «التيار الصدري» في مجلس النواب لتجريم التطبيع مع إسرائيل، منع اختراق العدو للساحة العراقية، بقدْر ما استهدف تسهيل تشكيل حكومة غالبية بمشاركة «تحالف السيادة» بقيادة محمد الحلبوسي، وحزب مسعود البرزاني. والأرجح، بحسب ما توحي به تصريحات معارضين للصدر، أن المشروع الذي يحتاج إلى إقراره بقراءتَين أخريَين قبل أن يصبح نافذاً، إنّما يرمي إلى استباق مساعي «الإطار التنسيقي» الذي ضمّن مبادرته للحلّ السياسي، دعوة إلى اعتماد قانون يجرّم التطبيع مع العدو ويعاقب عليه. المفارقة هنا، أنه بعد استهداف طهران بعدد من الصواريخ مقرّاً لـ«الموساد» في أربيل قبل أسابيع انطلقت منه اعتداءات ضدّها، سعى مقتدى الصدر إلى إنكار علاقة القوى المهيمنة على كردستان العراق بالعدو، وإدانة القصف الإيراني. ولذلك، فإن الترجيحات تشير اليوم إلى أن الزجّ بهذا الموضوع في البازار السياسي، يستهدف سدّ ثغرة كبيرة في التحالف الثُّلاثي الذي يعتمد عليه الصدر للاستئثار بالتمثيل الشيعي داخل السلطة العراقية، وبالتالي حُكم العراق ككلّ. وهي ثغرة قد تكون وحدها كفيلة بإسقاط هذا التحالف، ولا سيما أن الكثير من النواب المستقلّين الذين لم يستطع الأخير من دونهم تأمين نصاب في البرلمان لانتخاب رئيس للجمهورية، هم من الرافضين للتطبيع، وإنّما خلافهم مع القوى الأخرى في البلد يدور حول فساد الحكم.
الزجّ بموضوع التطبيع في البازار السياسي الهدف منه سدّ ثغرة كبيرة في التحالف الثُّلاثي

وفي هذا الإطار، يعتبر القيادي في «الإطار التنسيقي»، جبار المعموري، في حديث إلى «الأخبار»، أن «مشروع قانون تجريم التطبيع الذي جاء به الصدر ليس جديداً، وإنّما يريد الصدر من خلاله أن يلتفّ على القانون الذي طالما طالب الإطار التنسيقي باعتماده»، لافتاً إلى أن «الصدر متحالف مع الحلبوسي والبرزاني، والأوّل زار دول التطبيع وجاء مع الخنجر بطبخة التحالف الثلاثي، والثاني مطبّع مع إسرائيل وسمح بإقامة مقرّ للموساد في أربيل الذي ضربته إيران بعدّة صواريخ، كما سمح برفع علم إسرائيل في المدينة». ويتساءل المعموري: «كيف يدّعون أنهم يريدون تجريم التطبيع، وهم شركاء مع المطبّعين؟ أعتقد أنها عملية إعلامية لا أكثر. لذلك، نحن في الإطار التنسيقي نرى أن لا جدّية في إقرار قانون كهذا»، مضيفاً أن «مبادرة الإطار واضحة، وقد تضمّنت منع التطبيع والمحاسبة عليه وجعله جرماً، ولذلك استبق الصدر الحدث وجاء بهذا المشروع». ويتابع أنه «إذا كان الصدر صادقاً، فلماذا لا يفضّ شراكته مع البرزاني والحلبوسي؟»، مشدّداً على أن «على المطبّعين كذلك أن يفضّوا شراكاتهم مع دول التطبيع»، مُذكّراً، في هذا السياق، بأن «أربيل كانت محطّ مؤتمرات التطبيع، وفيها شارك الشيخ وسام الحردان بأوامر من الحلبوسي في المؤتمر الأخير، وقد كتب الحلبوسي بنفسه البيان الختامي للمؤتمر حسبما صرّح الحردان». ويَخلص المعموري إلى أن «قانون تجريم التطبيع خدعة فقط يراد أن يُضلّل بها الرأي العام، شأنه شأن شعار لا شرقية ولا غربية، فيما الواقع شكل آخر».
ويُوافق رئيس «اتحاد البرلمانيين العراقيين»، منتصر الإمارة، المعموري في كوْن مسألة التطبيع يجري استغلالها سياسياً، قائلاً لـ«الأخبار»: «نعم، توجد مزايدة بين الإطار والتيار في موضوع التطبيع، والاثنان جمهورهما رافض له، وفي اعتقادي أنه سيتمّ في نهاية المطاف إقرار القانون في البرلمان»، مستدركاً بأن «لدينا مؤثّرات في الشعب العراقي كالمرجعيات الدينية وكثير من المؤسّسات الاجتماعية كمؤسسة العشيرة وغيرها، تحمي المجتمع العراقي من التطبيع». ويضيف الإمارة أن «الكفّة الراجحة لدى الرأي العام العراقي في تصوّري هي كفّة الابتعاد عن التطبيع مع العدو. ربّما يوجد صوت هنا أو هناك ينادي بالتطبيع، لكن هذه أصوات شاذّة، وربّما تكون هناك أيضاً أصوات أخرى لا نعلم بها ترغب به، لكنّ الأعداد بشكل عام محدودة جداً».
في المقابل، يقول الكاتب والباحث في الشأن الكردي، شيروان شميران، لـ«الأخبار»، إن «إقليم كردستان يتحرّك في ما يتعلّق بالتعامل أو السياسة الخارجية مع الكيان الصهيوني في إطار الدولة العراقية. فالسياسة الخارجية هي نفسها، وكيفما تتعامل بغداد ومؤسّساتها الخارجية والرسمية مع الكيان الصهيوني، يفعل الإقليم، ولا يخرج رسمياً عن هذا الإطار»، مضيفاً: «أظنّ أنه إذا طُرح مشروع القانون في البرلمان فإن النواب الأكراد سوف يصوّتون تأييداً له بالتأكيد».