بغداد | مضى أكثر من شهرَين على إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة في العراق، إلّا أن صدى التنافس بين فرقاء الصفَّين «الشيعي» و«السُّنّي» لا يزال قائماً حتى هذه اللحظة. مع ذلك، يبدو أن بعض الزعامات الطامحة إلى الظفر بولاية ثانية في مناصبها، باتت متيقّنة بضرورة التفاهم مع خصومها، وهو ما ينطبق على زعيم تحالف «تقدّم» محمد الحلبوسي، الذي توصّل إلى قناعة بأن فوزه بولاية جديدة في رئاسة مجلس النواب، لن يتمّ إلّا بتقاربه مع خصمه خميس الخنجر، الذي يتزعّم تحالف «عزم». ويتربّع الحلبوسي والخنجر، اليوم، على قمّة النفوذ السياسي داخل «البيت السُّنّي»، بعد غياب أبرز القيادات السياسية التقليدية في هذا «البيت»، وتراجُع دورها السياسي في السنوات الأخيرة، مِن مِثل أسامة النجيفي وسليم الجبوري وجمال الكربولي وغيرهم.وبعدما شهد شهر تشرين الأول الماضي تصعيداً كلامياً عالي المستوى بين فريقَي «عزم» و«تقدّم»، انتهى الحال بهما إلى الجلوس على طاولة حوار مشتركة، بدأ الحلبوسي التمهيد لها بزيارة لمنزل الخنجر في بغداد السبت الماضي. وعلى رغم ما توحي به الزيارة من أجواء «ودّية»، إلّا أنها تكشف أيضاً، وفق مصدر مطّلع تحدّث إلى «الأخبار»، عن استمرار حالة التنافس بين الرجلَين، خصوصاً في أعقاب نجاح الخنجر في استقطاب 20 مرشحاً فائزاً في الانتخابات، وضمّهم إلى تحالفه ليبلغ عدد مقاعده 34، بعد أن كانت 14 مقعداً فقط. وهو ما ردّ عليه الحلبوسي سريعاً، بضَمّه 6 نواب مستقلّين إلى تكتّله، ليرفع عدد مقاعد «تقدّم» إلى 43 مقعداً. ويلفت المصدر إلى أن حُمّى التنافس هذه، على استقطاب المستقلّين خصوصاً، تُفسَّر بالسعي إلى الظفر برئاسة البرلمان الجديد، حيث لا يخفي الحلبوسي طموحه إلى ولاية ثانية، ولذا فهو لم يكتفِ بزيارة الخنجر فحسب، بل شملت تحرّكاته زعامات «شيعية» مِن مِثل هادي العامري الذي يترأّس «تحالف الفتح»، وعمار الحكيم الذي يتزعّم «تيار الحكمة»، وتحالف«قوى الدولة الوطنية».
وينفي تحالفا «عزم» و«تقدّم» تطرّقهما، في المباحثات الدائرة بينهما، إلى المناصب المخصّصة لـ«المكوّن السُّنّي»، خصوصاً أن البيانات والتصريحات الإعلامية الصادرة عن الجانبَين اكتفت بالحديث عن «الملفّات ذات الاهتمام المشترك»، كالنازحين، وإعادة إعمار المناطق المحرّرة، والأمن والمصالحة المجتمعية. إلّا أن مصادر مطّلعة تكشف، لـ«الأخبار»، أن الخنجر شدّد، خلال لقائه الحلبوسي، على ضرورة الذهاب في اتّجاه حكومة توافقية تشمل جميع الأطراف، مع ما سيتيحه ذلك من فرصة لـ«عزم» للظفر برئاسة البرلمان، بينما يرى الحلبوسي نفسه الفائز «السُّنّي» الأكبر والأحقّ بالمنصب المذكور. وفي مقابل احتمال استمرار هذا التنافس، يَبرز سيناريو التوصّل إلى تسوية شاملة تطاول جميع المناصب المخصّصة لـ«السُّنّة»، من قبيل أن تكون رئاسة مجلس النواب لتحالف «تقدّم»، مقابل منْح منصب نائب رئيس الجمهورية لتحالف «عزم». أمّا منصب محافظ كركوك (إن بَقِي للعرب)، فيكون لزعيم الكتلة الأكثر قرباً من الكرد، بإدارتَيهم (السليمانية – أربيل)، لتبقى الإدارات المحلية والمناصب الوزارية رهن المفاوضات مع القوى «الشيعية» التي لا تزال تنتظر قرار المحكمة الاتحادية في دعوى إلغاء الانتخابات، بعد تأجيلها البتّ فيها إلى الـ22 من كانون الأوّل الحالي.
وتشير معلومات حصلت عليها «الأخبار»، إلى أن استمرار رفض غالبية القوى السياسية لبقاء الحلبوسي في منصبه، قد يدفع الأخير إلى ترشيح وزير التربية الأسبق، ونائب رئيس تحالف «تقدّم» محمد تميم، أو عضو التحالف والنائب في لجنة النفط والطاقة في البرلمان العراقي السابق، هيبت الحلبوسي، في حين يمضي تحالف «عزم» نحو ترشيح وزير الدفاع الأسبق، خالد العبيدي، لرئاسة البرلمان. ويبدو إصرار الحلبوسي على الظفر بولاية ثانية، نابعاً من التفاهم الذي أُرسي في تركيا أواخر تشرين الأول الماضي، بحضور الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وزعيم تحالف «عزم»، الذي مُنح نيابة رئيس الجمهورية مقابل دعم الحلبوسي، إلّا أن تقليص الهوّة في عدد المقاعد بين المتنافسَين جعل الخنجر يذهب في اتّجاه محاولة التفاهم مع «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، أملاً في تكوين جبهة سياسية «سُنّية - كردية» واحدة، أمام المفاوض «الشيعي»، وهو ما لا يبدو متاحاً حتى الآن.