دخل مجلس الأمن الدولي على المشهد العراقي من بوابة تقديم جرعة دعم كبيرة للمفوّضية العليا للانتخابات، التي تتلقّى، منذ إعلانها النتائج الأوّلية، قبل أسبوعين، سهام المعترضين على مآل العملية برمّتها. أعضاء مجلس الأمن رحّبوا، في بيانهم، بـ«التقارير الأوّلية التي تفيد بأن الانتخابات (النيابية) المبكرة سارت على نحوٍ سلس، وتميّزت عن جميع الانتخابات التي سبقتها بإصلاحات فنية وإجرائية مهمّة». في المقابل، يتولّى «الإطار التنسيقي»، الذي يضمّ معظم القوى السياسية «الشيعية» في العراق باستثناء «التيار الصدري»، الحملة على النتائج والمفوّضية معاً. إلّا أن التطوّر الذي يعتبره البعض خطيراً، يتمثّل في تحريك الشارع اعتراضاً على نتائج الانتخابات. فتَحْت عنوان «التدخّل الخارجي الذي أدّى إلى تزوير الانتخابات»، تتواصل التحرّكات الشعبية التي دعا إليها «الإطار التنسيقي» في بغداد وغيرها من المحافظات العراقية. وفيما وصفت اللجنة التحضيرية للتظاهرات، أداء المفوّضية بـ«الفاشل»، مطالبةً بـ«اعتماد آلية العدّ والفرز اليدويَّين في أيّ انتخابات مقبلة، وبإعادة النظر في قانون الانتخابات الحالي»، أعلنت المفوّضية قبول سبعة طعون مدعومة بالأدلة، موزّعة على: بغداد (2)، البصرة (1)، أربيل (1) ونينوى (3)، من أصل 181 طعناً تمّ تقديمها. وبالتوازي مع ذلك، سُجّل تَقدُّم المتظاهرين صوب مدخل «المنطقة الخضراء»، وهو ما قد يفتح الباب أمام مزيد من التوتّرات والمخاوف من احتمال «تصاعد حدّة لعبة الشارع»، على ما تقول لـ«الأخبار»، مصادر سياسية عراقية مؤيّدة لـ«الحشد الشعبي». لا تتخوّف المصادر من «لعبة الشارع» لناحية ثقتها بـ«القرار الحازم المتَّخذ من قِبَل قيادة الإطار التنسيقي، بأن تكون التظاهرات والاحتجاجات سلمية وديمقراطية، تعبّر عن الرفض الشعبي لسرقة أصوات المحتجّين ومصادرة آرائهم». وتلفت إلى أن «فكرة الاعتصام والتظاهر في الشارع، كانت مطروحة في كل مرحلة من مراحل الاستهداف الذي يتعرّض له الحشد كقوّة مقاوِمة ترفض المشروع الأميركي في العراق»، مضيفة أن «نيّة اللجوء إلى الشارع تعزّزت مع الأداء المشبوه بحقّ الحشد، والذي اتُّبع من قِبَل المفوّضية ومَن خلفها داخل الحكومة وخارجها، بدءاً من حرمان منتسبي الحشد من التصويت الخاص، وتحويلهم إلى الاقتراع العام، بخلاف نظرائهم في الأجهزة الأمنية والعسكرية الأخرى». وبحسب المصادر، فإن «نتائج الانتخابات هي القطرة التي أفاضت الكأس، إذ إن التراكمات السياسية والأمنية والإعلامية، خصوصاً منذ أحداث تشرين عام 2019 وما رافقها من تجاوزات واتهامات وتهديدات طاولت الحشد وأنصاره من سياسيين ومدنيين على السواء، أدّت إلى المشهد الحالي».
في الأثناء، برز موقف لافت لرئيس هيئة «الحشد»، فالح الفياض، خلال اجتماعه مع قيادات من المؤسسة قبل أيّام، إذ أعاد التأكيد أن «الحشد الشعبي ملتزم بالقانون والدستور، ولا يتدخّل في النقاشات السياسية»، مشدداً على أن «أحداً لا يستطيع التعرّض للحشد خارج إطار القانون (...) لن نسمح بنشوء أيّ ديكتاتورية أو تزييف للنظام الديمقراطي». وتقرأ المصادر موقف الفياض هذا، على أنه يأتي في إطار «رسم الخطوط العامة لدور الحشد وإمكاناته، وكذلك للمخطّطات التي يتعرّض لها». وربطاً بالانتخابات وما يرافقها من تشكيك، وما يُحكى عن عمليات تلاعب إلكتروني بالنتائج، تقول المصادر إن «استهداف الحشد الشعبي جاء على عدّة مراحل، كان أبرز وجوهها الاستهداف العسكري المباشر»، معتبرة أنه «عندما فشلت كل هذه الاستهدافات، تتم الآن محاولة استهداف الحشد عبر نزع الشرعية البرلمانية والسياسية عنه تمهيداً لتصفيته، وهي محاولات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالخطط الأميركية الموضوعة تحت عنوان تصفية النفوذ الإيراني في العراق».
بنتيجة ذلك، يطغى على الشارع العراقي والصالونات السياسية على السواء، الحديث عن «اليوم التالي»، في محاولة لاستشراف المستقبل في ظلّ انسداد الأفق، ربطاً بتأزّم الخطابات والخطابات المضادّة والحديث عن شارع وشارع مضادّ. لكنّ مصدراً من أحد مكوّنات «الإطار التنسيقي» أبلغ «الأخبار» أن «أنصار الحشد الشعبي وغطاءه السياسي في الإطار التنسيقي، ينسّقون خطواتهم بشكل دقيق من أجل إدارة المرحلة بشكل مثالي».
يسعى «الإطار التنسيقي» إلى تشكيل الكتلة النيابية الكبرى التي من حقِّها أن تسمّي الشخصية المخوّلة تشكيل الحكومة

وكشف أنه «على الرغم من السقوف العالية التي يتمّ التعبير عنها من قِبَل البعض، خصوصاً في التظاهرات، إلّا أن التنسيقي ليس في صدد الذهاب إلى موقف عالي السقف من قبيل إعادة الانتخابات من جديد، أو حتى إعادة الفرز الكامل يدوياً»، موضحاً أن «التحرّكات الحالية تبغي تحقيق أهداف مرحلية، لا تتعلّق بشكل النظام كله، إنما محدّدة تعمل على الضغط الشديد لمنع أيّ تفرّد بالحكم في المرحلة المقبلة من قِبَل أيّ شخص أو جهة»، متابعاً أن هذا «ليس توجّه الحشد الشعبي وأنصاره فحسب، بل كل الأطراف المتضرّرين من التلاعب الحاصل بالانتخابات، من سُنّة وأكراد وغيرهم». وعن المخارج الممكنة، قال المصدر ذاته إنه «مِن الممكن أن تُنصِف الطعون المقبولة من قِبَل مفوّضية الانتخابات، تحالف الفتح في خمس إلى سبع دوائر». وإذ أشار إلى أن «هذه النتائج لن تغيّر المشهد العام لنتائج الانتخابات، إلّا أنها قد تكون كافية في لعبة شدّ الحبال الحاصلة على مستوى تشكيل الكتلة الكبرى». وفي هذا السياق، أفاد المصدر بأن «الإطار التنسيقي يسعى راهناً إلى تشكيل الكتلة النيابية الكبرى التي من حقِّها أن تسمّي الشخصية المخوّلة تشكيل الحكومة العتيدة»، إلّا أنه لفت إلى أن «النواب الشيعة المستقلّين، وعددهم 20 نائباً، هم بيضة القبّان في وضع كهذا، وهناك مساعٍ حثيثة لاستقطابهم إلى صفّ الكتلة الصدرية»، كاشفاً أن «عروضاً مغرية تُقدَّم للمستقلّين، وتصل إلى حدود الثلاثة ملايين دولار للنائب من أجل الاصطفاف بعيداً من الحشد الشعبي وكتلته»، متحدّثاً عن «نجاح أحد أصدقاء رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، في استمالة ثلاثة نواب حتى الآن، تكفّلت دولة الإمارات في تسديد مكافآتهم».
في المحصّلة، تقف الأذرع السياسية لـ«الحشد الشعبي»، اليوم، على عتبة مرحلة جديدة، على وقع تحدّيات كبيرة قد تترك تداعيات خطيرة على مستقبلها. وإذا كانت هذه هي المرّة الأولى التي تختبر فيها تلك الأذرع قوّتها التحشيدية في الشارع، ربطاً بملف سياسي شائك، فإن تحسين أدائها في هذه المرحلة يُعدّ أولى الخطوات نحو «ترميم الصورة»، والذي يُؤمَل أن تُجنَى ثماره بعد أربع سنوات.