في الـ 16 من تشرين الأول/ أكتوبر 2017، ارتفع العلم العراقي على مبنى محافظة كركوك، شمال البلاد. شكّلت تلك العملية، والمسمّاة بـ«فرض الأمن»، تحوّلاً في العلاقة بين بغداد وأربيل. أصبح حيدر العبادي بطلاً قومياً بعدما كسر «هيبة» زعامة كردية بُنيت على احتلال أراضٍ عراقية طوال 14 عاماً. للتاريخ، يُسجّل - أيضاً - دور أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني في تحطيم أحلام مسعود برزاني الانفصالية. بعودة كركوك إلى أحضان بغداد، سلّمت أربيل بـ«استحالة قيام الدولة الكردية».لكن، بعد سنوات قليلة من ذلك الحدث، يعود احتمال عودة «البشمركة» إلى كركوك ليتصدّر المشهد، طارحاً علامات استفهام حول إمكانية تفريط «حكّام بغداد» بعنصر رئيس من عناصر قوتهم. حتى الآن، تجزم سلطات المركز بأن كركوك عراقية، وستبقى، ولن تعود «البشمركة» إليها، فيما تفيد الأنباء بأن المشروع حقيقي وجدّي.
بعض القوى المحليّة صدّرت هذا الحديث، وتحديداً في 6 تموز/ يوليو الجاري، عندما أعربت عن رفضها لـ«عودة قوات البشمركة الكرديّة إلى كركوك مجدّداً»، واصفةً ذلك بـ«تجاوز على مكتسبات خطة فرض القانون»، في إطار تقديمها خدمات «مدفوعة» لبعض القوى الناشطة في العاصمة، حيث التوتّر ينحو باتجاه «كسر العظم» بين الكاظمي وبعض «داعميه السابقين».
كذلك، حُمّلت زيارة رئيس أركان الجيش العراقي عبد الأمير رشيد يار الله، لمقر «الشرطة الاتحادية» في المحافظة، بغية تشكيل مركز للتنسيق الأمني مع «البشمركة» وتعزيز أمن المدينة العراقيّة، أبعاداً شكّلت منطلقاً لتصدير حديث «عودة البشمركة». المشهد المتوتّر قد يضيّع كركوك. ربّما تكون هناك فعلاً محاولة للتصويب على رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي من هذه البوّابة، وخصوصاً من قِبَل المنزعجين من تغيير القيادات الأمنية والعسكرية من دون الرجوع إلى الأحزاب والقوى السياسية، كما تقول مصادر الكاظمي، إلا أن ذلك لا ينفي أن ثمة خطراً داهماً قد يؤدي إلى ضياع كركوك، وإفقاد العراق إنجازاً كلّف تضحيات ودماء. المسؤول الأوّل عن منع ذلك هو رئيس الحكومة، الذي يمثل أمامه اليوم تحدّي حفظ «عراقية» كركوك، وصيانتها من استخدامها سُلّماً لارتقاء أحلام سياسية، شخصيّة كانت أو حزبية، وطنيّة أو قوميّة. دائماً ما كانت اللعبة السياسيّة في بلاد الرافدين ساحة لخسارة ما أُنجز في الميدان. واليوم، فإن المسؤول الأوّل هو الكاظمي، وحفظ «عراقيّة» كركوك كصون البلاد من عودة تنظيم «داعش».