بغداد | «فاشلةٌ» كانت زيارة رئيس «إقليم كردستان»، نيجرفان برزاني، للعاصمة العراقيّة بغداد، بتعبير أكثر من مصدر سياسيّ. النتائج المرجوّة لم تتحقّق؛ فرئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، أجاد «التسويف» وتقديم الوعود من دون أن يمنح ضيفه «جواباً» عن هواجسه التي عبّر عنها بالقول إن «الوقت حان للتوصّل إلى فهم مشترك، وحلّ للمشكلات... باتفاق شامل ومرضٍ»، فقد أشار بيان برزاني إلى «استعداد الإقليم لحلّ المشكلات والملفات العالقة مع الحكومة الاتحادية». بتعبير الرجل، وصفت الشخصيّات التي التقاها زيارته بـ«الرسالة الإيجابية والخطوة الصائبة»، معبّرين عن ارتياحهم لـ«استعداد الإقليم للحوار والحل النهائي».في المقابل، وصف أطراف سياسيون «الإقرار الكردي» بـ«المناورة ليس إلّا». فـ«المراجعة التي قدّمها الوفد مردّها إلى الظروف التي تعصف بالبلاد والمنطقة والعالم، وعلى رأسها انهيار أسعار النفط وتفشّي فيروس كورونا». لكن مصادر أخرى قالت لـ«الأخبار» إن برزاني أراد من زيارته «تأمين أكبر قدر ممكن من السيولة لدفع رواتب الإقليم»، فالمبلغ المحوّل من بغداد إلى أربيل قبل أسابيع (نحو 400 مليون دولار) قد نفد، وعليه ثمّة عجز في الميزانيّة. في محاولة برزاني تقديم حلول، اقترح على الكاظمي أن يكون لـ«الإقليم» تمثيلٌ وازنٌ في الوفد الرسمي الذي سيزور دولاً خليجيّة في الأسابيع القليلة المقبلة، خاصة أنه يدرك أن زيارة الكاظمي للكويت والرياض وأبو ظبي لن «تكون مجانيّة»، وخصوصاً أن «حاكم بغداد» موعود بدعم يقدّر بأربعة مليارات دولار، فيما يأمل زعيم أربيل أن يحوز «الإقليم» من «المكرمة» ما يسدّ بها العجز الذي أساسه فساد عائلته الحاكمة منذ عقود من دون حسيب.
على خطّ موازٍ، قدّم برزاني مقترحاً بتوقيع مذكرة تفاهم أمني بين بغداد وأنقرة يُسمح بموجبها للأخيرة بشنّ عمليات عسكريّة شمال البلاد ضد مواقع ونقاط انتشار «حزب العمّال الكردستاني» (بي كي كي). هذه المذكرة ستكون «نتيجة طبيعية» لخطوة يطمح إليها حكام الإقليم، وهي تصنيف بغداد «بي كي كي» «تنظيماً إرهابياً». لم يقدّم الكاظمي جواباً شافياً، على أساس أن خطوة كهذه لها تبعاتها في العلاقة بين بغداد وأربيل من جهة، وبغداد وأنقرة من جهة ثانية، وأربيل وأنقرة من جهة ثالثة. هنا، تتصدّر المشهد عمليةُ «مخلب النمر» التركيّة ضد مقار «بي كي كي» في الشمال. وفق مستشار الكاظمي، هشام داوود، «عمليّات القصف التركي الأخيرة غير مقبولة...». كلام داوود عُدّ في بغداد «إنشائياً»، خاصة أن رئيس جهاز الاستخبارات التركي، هاكان فيدان، سبق أن زار العاصمة بعيداً من الأضواء قبيل إطلاق العمليّة، للتنسيق مع الجانب العراقي وإطلاعه على تفاصيلها.
ميدانياً، قصفت القوات التركية، وفق وزير الدفاع خلوصي أكار، «أكثر من 700 هدف، وقد سيطرت على نحو 150 مغارة». ويبدو أن العملية لم تنتهِ بعد، كما لم تُعلن أنقرة تحقيق كامل أهدافها، لكنها، وفق المعلومات، طلبت من الكاظمي إذناً بالوصول إلى منطقة مخمور (105 كيلومترات جنوبي الموصل). الأخير رفض ذلك، واعداً بمنحهم إذناً بـ«عمليّة جويّة سريعة»، علماً بأن قوة تركية تتمركز في معسكر بعشيقة، شرقي الموصل، من دون إذن رسمي منذ 2015، وقد سوّفت أنقرة غير مرة طلب الحكومة الاتحادية الانسحاب من هناك.