بغداد | بعد أسبوع على تكليف محمد توفيق علّاوي تشكيل حكومة موقّتة ما من «ملامح محدّدة» لاختيار أعضاء «الكابينة» الجديدة. المؤكّد وفق مصادر سياسية أنّ «علّاوي كان ينوي تشكيل حكومة من 15 وزيراً، لكن ضغط الكتل دفعه إلى توسيع الدائرة إلى 23 حقيبة»، ما يعني «فكّ ارتباط» بعض الوزارات كـ«فصل الصحة عن البيئة، والتعليم العالي عن العلوم والتكنولوجيا، والبلديات عن الإسكان والإعمار» إرضاءً للأحزاب والقوى الطامحة إلى استثمار الأزمة السياسية لـ«تحصين» مكتسباتها. هذا الصراع دفع زعيم «التيّار الصدري»، مقتدى الصدر، إلى إعلان «ميثاق الإصلاح» الذي تضمّن 18 فقرة، دعا في واحدة منها أنصاره إلى تظاهرات مليونية الجمعة المقبل. النائب عن «تحالف سائرون» (الكتلة البرلمانيّة التي يدعمها الصدر) رياض المسعودي، أوضح في حديث إلى «الأخبار»، أن «الهدف من الدعوة دعم الرئيس المكلّف في اختياره وزراء أكْفاء لا متحزّبين، وعدم رضوخه لمطالب الأحزاب والقوى».اللافت في محورية تشكيل «الكابينة» تبيان أمرين أحدهما يتعلّق بالفريق المفاوض لعلّاوي، الذي يحاول كسب الوقت، حفاظاً على «سمعة» الرئيس الجديد وتبياناً لمدى جدارته في قيادة هذه المرحلة الحسّاسة من تاريخ البلاد. أما الثاني، فهو تحركات رئيس الجمهورية، برهم صالح، التي فُهمت على أنّها قفزٌ على الصلاحيات المحدّدة له، وتحديداً بعد زيارته الأخيرة إلى أربيل والسليمانية، حيث ركز في نقاشاتها هناك على تشكيل الحكومة المرتقبة، وترتيب لقاءات تجمع علّاوي بالأطراف الكرديّة. وفي خضم ذلك، كشفت مصادر سياسية أن رئيس الوزراء المكلّف بعث موفداً عنه إلى «إقليم كردستان» يحمل رسالةً إلى رئيس «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، مسعود بارزاني، يدعوه إلى ترشيح قيادات من «الصف الثالث أو الرابع» في حزبه لتسميتهم وزراء في الحكومة العتيدة، كون علّاوي، أو أي رئيس للوزراء، لا يستطيع تجاهل مطالب «البيت الكردي» أو تسمية مرشحين مستقلين بمعزل عنهم، لأن ذلك سيفقده «ثقة» أبناء «الإقليم»، وخسارة دعم لواحد من المكوّنات الثلاثة.
يقدم الصدر دعماً إلى علّاوي في مهمة تشكيله الحكومة


بدورهم، وقبل الدخول في أيّ تفاوض مع الرئيس الجديد، حمل «رفاق السلاح» من حزب «الدعوة الإسلامية» على عاتقهم مسؤولية قيادة المعارضة للحكومة المرتقبة، لاعتقادهم أن علّاوي يفتقد «الصفات» التي حدّدتها «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني)، ولا يحوز دعم المتظاهرين. هذا المناخ دفع القوى «الكردية» إلى الاشتراط على علّاوي تنفيذ الاتفاق النفطي الموقّع مع عبد المهدي العام الماضي، مقابل تأييد كابينته، في وقت تُحال فيه القضايا الأخرى إلى «التفاوض والنقاش»، كالحدود الإدارية للمناطق المتنازع عليها، وملف كركوك، وإعادة قوات «البشمركة» إلى المناطق التي خرجت منها في تشرين الأوّل/أكتوبر 2017. كما أكدت مصادر سياسية كردية أن «أربيل اشترطت منحها ثلاث حقائب وزارية، على أن تكون المالية بينها، إضافة إلى وزارة نصف سيادية (العدل)، وأخرى خدمية».
على خطّ موازٍ، ترفض قوى «البيت السُّنّي» تمرير الحكومة إن لم يُحدّد عمرها وشكلها، سواءً أكانت انتقالية أم بصلاحيات كاملة، لكنها تتمسك بمنحها الاستحقاق الكامل، المتمثل في ستّ وزارات مع إسقاط شروط عدم توزير النواب، ورفض تجديد «الثقة» للوزراء السابقين. كذلك، يريد سياسيو «البيت السُّنّي» إدراج مطالب على «المنهاج الوزاري» تتعلّق بتدعيم أسس إعمار المناطق المحرّرة، والمضي في حصر السلاح بيد الدولة، وإخراج قوات «الحشد الشعبي» من المحافظات الشمالية والغربية، وإعادة نازحي جرف الصخر.
وسط ذلك، ثمة من يروّج أن حكومة علّاوي قد تكون أول وزارة قد لا ترى النور بسبب اعتراض المتظاهرين على تكليفه، خاصة أن بعض ساحات الاحتجاج تصفه بـ«الجدلي»، وهذا لا يتوافق مع آليات إدارة المرحلة الحالية. مصادر سياسية قالت لـ«الأخبار» إن صالح أجرى لقاءات عدّة مع المتظاهرين قبل وبعد توقيعه قرار تكليف علّاوي، ليمهد بذلك لقاءً آخر مع المتظاهرين وعلّاوي الذي وعدهم بمنحهم وزارتين في حكومته، لكنهم أبلغوه بأن قبولهم العرض أو رفضه مرهون بالتداول مع ساحات التظاهر. وفي خضم الجدل الدائر على الفريق الوزاري الجديد، يشكّك فريقٌ في قدرة الحكومة الجديدة على تنفيذ المطالب وإدارة الوضع الانتقالي كونها ستُجري انتخابات مبكرة. لكن ما أعلنه علّاوي وألزم نفسه إياه أعطى مؤشراً أن الرجل قد يستمر حتى إكمال الدورة الانتخابية الحالية، على أن تشمل خطته فرض القانون وإعادة هيبة الدولة، وإحالة ملفات الفساد على القضاء، واستبدال وكلاء الوزارات والمدراء العامين والدرجات الخاصة، ومستشاري مجلس الوزراء بشخصيات تتمتّع بالنزاهة والكفاءة.