«المليونية» ستأخذ ركنها في الوعي الوطني العراقي، وستؤسّس خطاباً ضدّ الاحتلال الأميركي
أُطلقت على تظاهرة أمس تسمية «ثورة العشرين الثانية»، في استعادة تاريخية لثورة 1920 ضد الاحتلال البريطاني والاستيطان الهندي، وهي الثورة التي دفعت بريطانيا الى إعادة حساباتها. ويراهن منظمو تظاهرة أمس على تأسيس خطاب سيادي ضدّ الاحتلال الأميركي، وضدّ المشاريع الأميركية التي تُحاك منذ عام 2003 لتقسيم العراق إلى كانتونات طائفية وعرقية، وضدّ الآلة الدعائية الأميركية التي عكفت طوال الفترة الماضية على ترسيخ كذبة أن «العراقيين يريدون وجودنا»، كما عبّر وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، قبل أيام.
من خلاصات تظاهرة أمس:
أولاً: كشف عن مزاج عام وكبير رافض للاحتلال الأميركي. مزاجٌ ليس مقتصراً على أحزاب وقوى، كما أنه ليس مجرد ردّة فعل على جريمة اغتيال نائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس وقائد «قوة القدس» في الحرس الثوري الإيراني الفريق قاسم سليماني ورفاقهما، بل يعطي إشارة قوية إلى أن الخيار الشعبي يعكس مقاربة العراقيين لمسألة الاحتلال، مقابل مقاربة ترى فيه «ضمانةً لاستقرار العراق».
ثانياً: وفرت التظاهرة الحاشدة الغطاء الشعبي والمزيد من الشرعية لتوصية البرلمان العراقي بإخراج القوات الأجنبية، بعدما شهدت الأيام الماضية محاولات لوسمه بأنه «قرارٌ شيعي، وغير وطني». مشهد أمس سيولّد ضغطاً إضافياً ــــ إلى جانب الضغط البرلماني ــــ على حكومة رئيس الوزراء المستقيل، عادل عبد المهدي، من أجل الدفع في اتجاه إصدار جدول زمني يحدّد توقيتات الانسحاب وآلياته.
ثالثاً: بات الجمهور العراقي شريكاً في القرار، وسيعمل على محاسبة المقصّرين في تحقيق الهدف المتمثل في طرد الاحتلال، ومساءلة الأحزاب والقوى عن جهودها في إنضاج النتائج المرجوّة، التي إن فشلت الجهود الدبلوماسية في تحقيقها، فإن الخيار العسكري سيكون حاضراً وبقوة. وهنا، سيؤمّن الشارع الغطاء اللازم لفصائل المقاومة، التي تنتظر هي الأخرى نتائج تلك الجهود.
رابعاً: شكلت التظاهرة بداية حراك له خطواتها اللاحقة بهدف تصعيد التحرك السياسي والشعبي من أجل تصعيد الضغوط ليكون مشروع طرد الأميركيين على رأس جدول أعمال حكومة عبد المهدي والحكومة المقبلة.
خامساً: حاز الخطاب العام للتظاهرة رضى المرجع الديني آية الله علي السيستاني، والذي أعلن خطيب الجمعة المتحدث باسمه عن الموقف الداعي الى «احترام سيادة العراق واستقلال قراره السياسي ووحدته أرضاً وشعباً، ورفضها القاطع لما يمسّ هذه الثوابت الوطنية من أيّ طرف كان وتحت أيّ ذريعة»، مؤكدة أن «للمواطنين كامل الحرية في التعبير ــــ بالطرق السلمية ــــ عن توجّهاتهم بهذا الشأن، والمطالبة بما يجدونه ضرورياً لصيانة السيادة الوطنية، بعيداً عن الإملاءات الخارجية». هذا الموقف يدعّم خطاب الشارع الرافض أيضاً لأيّ تقسيم يطاول الأراضي العراقية، والذي يروّج له البعض خدمةً لـ«الأجندة الأميركية» من جهة، وتمهيداً لإطالة أمد بقاء الاحتلال من جهة أخرى.
سادساً: كان لافتاً موقف زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، وحظي خطابه بقبول واسع قد يكون الأول من نوعه عند جميع القوى، بمن فيهم خصومه السياسيون. وبدت خطوة الصدر عاملاً مساعداً على تعزيز وحدة القوى المناهضة للاحتلال. لكن الجانب الآخر المهمّ من خطاب الصدر، سعيه الى تمايز واضح بما خص الحراك الشعبي المستمرّ منذ الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وذلك بإعلانه انسحابه منه بعد اتهامه من قِبَل البعض بـ«التبعية لإيران». موقف الصدر هذا سيكون له أثره الكبير على أجندة الحراك.