بغداد | عند الثامنة من صباح اليوم، ستكون بغداد على موعد مع «المليونية» المندّدة بالاحتلال الأميركي للبلاد. تظاهرةٌ يُقدّر أن تحشد أكثر من مليون شخص، وبتغطية إعلامية كبرى. ثمة من يريد أن يعكس صورة العراق المقاوم للاحتلال، فيما آخرون يريدون تنفيذ الأجندة الأميركية وعرقلة أيّ مشروع مقاوم. البلاد اليوم أمام تحدٍّ كبير لإثبات هويتها، وإظهار رفضها القاطع للاحتلال. وإذا ما حدث ذلك، فإن «مليونية بغداد» سيكون لها تأثيرها البالغ الأهمية في سياق مشروع تحرير المنطقة من الاحتلال الأميركي، والذي أعلنه محور المقاومة. إنه الجمعة الـ24 من كانون الثاني الثاني 2020، اليوم المرتقب لحدث يفترض أن يمثل تحوّلاً في المشهد السياسي لـ«بلاد الرافدين». فالتظاهرة «المليونية» التي دعا إليها زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر، وقادة «تحالف الفتح» (ائتلاف نيابي يضمّ الكتل المؤيدة لـ«الحشد الشعبي»)، وأحزاباً وقوى سياسية أخرى، من شأنها أن تكشف حجم الرفض الشعبي للاحتلال الأميركي للعراق. كما أنها ستشكّل باكورة الردّ العراقي على الانتهاكات والجرائم المتكرّرة من قِبَل الولايات المتحدة للسيادة العراقية، والتي كان آخرها اغتيال نائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس، وقائد «قوة القدس» في الحرس الثوري الإيراني الفريق قاسم سليماني، ورفاقهما، مطلع العام الحالي. كذلك، ستعطي التظاهرة مزيداً من الدفع للجهود الدبلوماسية التي يقودها رئيس الوزراء المستقيل، عادل عبد المهدي، من أجل تنفيذ القرار البرلماني الداعي إلى إخراج القوات الأجنبية، وستوفّر مسبقاً غطاءً شعبياً لأيّ عمل مقاوم ضدّ قوات الاحتلال في المستقبل القريب، في ظلّ رفض الإدارة الأميركية أيّ حديث عن الانسحاب، وتذرّعها في ذلك بـ«حجج واهية»، بتعبير مصدر سياسي مطّلع.
وفي هذا الإطار، قال المبعوث الأميركي الخاص لـ«التحالف الدولي»، جيمس جيفري، إن المباحثات مع بغداد حول مستقبل تواجد القوات الأميركية في العراق «لم تبدأ بعد... ولا نعتقد أن الانسحاب متوجّبٌ علينا». واستدرك، في مؤتمر صحافي، بأنه «لن يكون بمقدر الجنود البقاء إلى ما لا نهاية من دون إنهاء مهتمهم في مكافحة الإرهابيين (تنظيم داعش)»، مضيفاً أن إدارة بلاده مستعدّة لـ«التباحث مع الحكومة العراقية بشأن علاقاتنا الاستراتيجية الشاملة، والتي تشمل المساعدات المالية والاقتصادية والأمن ومعدّات القوى العسكرية والعلاقات الدبلوماسية». هذه المواقف، كسابقاتها، تنمُّ عن تمسّك واشنطن بإبقاء قواتها في العراق، ورفضها الانسحاب من هناك، على رغم موقف بغداد الرسمي الداعي إلى ذلك، والذي يحاول البعض تشويشه بحجة ضرورة بقاء تلك القوات، ودورها «الضامن لاستقرار البلاد».
يُرجّح أن يُلقي ممثل عن مقتدى الصدر كلمة بالنيابة عنه


هكذا، يُراد تصوير قضية طرد الاحتلال كمشكلة بين قوى «البيت الشيعي» والقوات الأميركية، وليس بين العراقيين والإدارة الأميركية، سعياً في تحقيق بنود الأجندة الأميركية. وفي هذا الإطار، يُعمل على إيجاد «البيئة الحاضنة» لأيّ تموضع عسكري أجنبي في البلاد، في ظلّ حديث عن إخلاء القوات الأميركية قواعد تشغرها في المحافظات الوسطى، وانتقالها إلى المحافظات الغربية والشمالية، لتكون بمنأىً عن نيران فصائل المقاومة. مساعٍ عبّر عنها رئيس البرلمان السابق، سليم الجبوري، أمس بوضوح، عندما قال إن «خيار الإقليم السنّي مطروحٌ بقوة، وهناك اجتماعات للقوى السنّية خارج العراق بهذا الصدد»، مضيفاً أن مدينة الموصل، عاصمة محافظة نينوى، «ستنضمّ إلى تركيا بسبب اتفاقية لوزان، في وقت لا تدرك فيه القوى السياسية هذه المعلومات والاتفاقيات الدولية».
لهذا، ستحمل «المليونية» أكثر من رسالة للداخل وللخارج. وإن كانت الرسائل الموجّهة للخارج واضحةً، فإن الرسائل الموجّهة للداخل ستكون رفضاً لأيّ خيار تقسيمي يُنادي به البعض، والتحذير من إبرام أيّ «صفقة» على حساب «وحدة الأراضي العراقية»؛ فـ«البلاد لا تحتمل إقليماً ثانياً» بتعبير مصدر سياسي مطّلع. ويلفت المصدر، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أن شكل «المليونية» ومضمونها سيترجمان رؤية قوى «البيت الشيعي» للمرحلة المقبلة، والتي سيكون عنوانها الأبرز «طرد الاحتلال من البلاد». وفي هذا السياق، أوعزت «اللجنة المنظمة» بضرورة الالتزام بموعد المشاركة عند الساعة الـ8 صباحاً، عند جسر الطابقين وسط بغداد، حيث سيجوب المحتشدون شوارع منطقة الجادرية، رافعين العلم العراقي حصراً، وارتداء الأكفان البيضاء، وتوحيد الهتافات على أن يكون مضمونها إخراج القوات الأجنبية والمطالبة بالاستقلال التام. وفيما يرجّح المصدر أن تُختتم «المليونية عند ظهر اليوم بكلمة للصدر يلقيها من ينوب عنه»، فإنه يشير إلى أنه «ما من شيءٍ محسوم حتى اللحظة إزاء ذلك».
ووفق مصادر ميدانية مشرفة على التحضيرات، فإن التقديرت للأعداد المشاركة تتراوح بين 1.5 و2 مليون شخص (رجالاً ونساءً) من مختلف المحافظات، التي بدا لافتاً أمس تدفق قوافل المشاركين منها، فيما نصب «البغداديون» للضيوف عشرات المحطات الخدمية، وسط حملات إعلامية ضحمة - وتحديداً على منصات التواصل الاجتماعي - تدعو إلى المشاركة الكثيفة، ورفض اقتصار المشاركين على «مئات الآلاف... بل مليونية». هذا المناخ، وفق المصادر، قد يشكّل أرضية مناسبة لمساعي بعض المجموعات المحسوبة على السفارة الأميركية لخلق فتنة بين القوى المشاركة، وإيقاع صدامات بين المتظاهرين، تستغلّها المؤسسات الإعلامية الأميركية لتهشيم الرفض الجماهيري للاحتلال، خاصة أن التظاهرة هي الأكبر منذ العام 2003، ومن شأنها أن تؤسس للعراق خطاباً سيادياً وطنياً مستقلاً.