بغداد | خلافٌ على تفسير الدستور، وتحديداً المادة 76، حال أمس دون تكليف مرشح «تحالف البناء» (ائتلاف «الفتح» بزعامة هادي العامري، و«دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، وآخرين) وزيرَ التعليم العالي، قصي السهيل، برئاسة الوزراء، خلفاً لعادل عبد المهدي. هي عودةٌ إلى «المربّع الأوّل» وتقاذفٌ لـ«كرة النار» بين الأفرقاء العراقيين. فـ«العقبة» الراهنة هي «عجز» رئاستي الجمهورية والبرلمان عن تحديد «الكتلة البرلمانية الأكبر» من جهة، وغموض «المحكمة الاتحادية العليا» أمس في تفسير المادة 76 من جهة أخرى، في ظل محاولات رئيس الجمهورية، برهم صالح، المستمرة لكسب المزيد من الوقت أملاً في ترشيح شخصية أخرى «غير مستفزّة» للشارع الغاضب، وفق تعبير مقرّبين منه.في حديث إلى «الأخبار»، يتهم مصدرٌ قياديٌّ في «البناء» رئيس الجمهورية بـ«المماطلة» وإرجاء تكليف السهيل، في أداء يُعدّ «انتهاكاً للدستور وتحايلاً على مواده»، إذ تنصّ المادة 76 على «تكليف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً تشكيل مجلس الوزراء، خلال 15 يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية»، علماً أن المادة 81/ثانياً شددت على «تكليف رئيس الجمهورية (عند خلوّ منصب رئاسة الوزراء لأيّ سبب كان) مرشحاً لتشكيل الوزارة خلال مدة لا تزيد على 15 يوماً، وفقاً لأحكام المادة 76»، يضيف المصدر. وفيما يؤكّد أن تحالفه هو «الكتلة الأكبر... وبات واجباً دستورياً على صالح تكليف مرشحنا»، ترى مصادر في «ائتلاف سائرون»، المدعوم من زعيم «التيّار الصدري» مقتدى الصدر، أنها «الكتلة الأكبر... لأنّنا حللنا أوّل في الانتخابات التشريعية الأخيرة (أيّار/مايو 2018)... ولنا الحقّ في تسمية المرشح».
ما زاد المشهد تعقيداً تنازل الصدر عن طرح مرشح لرئاسة الوزراء، لمصلحة الحراك الشعبي المستمر منذ 1 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، ورفضه «تمرير» السهيل (وآخرين)، ما دفع صالح قبل أيّام إلى سؤال «الاتحادية» عن «الكتلة الأكبر»، مرجّحاً أن تقدّم جواباً «حاسماً» يتسلّح به مقابل «التفسيرات» السياسية المتداولة. هكذا، رمى الرئيس الكرة إلى ملعب المحكمة التي ردّت على السؤال بطريقة غامضة. فهي تمسّكت بإجابتها عينها عقب الانتخابات التشريعية عام 2010، بالقول إن «الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من قائمة انتخابية واحدة، أو الكتلة التي تكوّنت بعد الانتخابات من قائمتين أو أكثر... ودخلت مجلس النواب وأصبحت مقاعدها بعد دخولها المجلس وحلف أعضاؤها اليمين الدستورية في الجلسة الأولى الأكثر عدداً من بقية الكتل، يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشحها تشكيل مجلس الوزراء طبقاً لأحكام المادة 76، وخلال المدة المحدّدة فيها».
مصادر أخرى تأخذ على «الاتحادية» تعمّد «تجهيل» الكتلة، خصوصاً أن تكليف عبد المهدي جاء عن طريق التوافق لا «الكتلة الأكبر»، مؤكّدة أن «وثيقة» ترشيح السهيل لا تشوبها أي «شائبة قانونية»، علماً أن صالح، في كتابه الموّجه إلى المحكمة، خصّص فقرة أشار فيها إلى أن «البناء» يرى نفسه «الكتلة الأكبر» ويرشّح السهيل لرئاسة الوزراء. أما المصادر في «الاتحادية»، فتقول إن «المحكمة لا تعطي رأياً بل تقدم حكماً، وعلى الجهات المعنية تطبيقه». وعملياً، أعادت «الاتحادية» الكرة إلى صالح الذي سارع أمس إلى توجيه كتاب إلى رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، يطلب فيه الإجابة بـ«وضوح» عن هذه الأسئلة: 1- اسم «الكتلة الأكبر»، 2- أسماء أعضاء الكتلة وتواقيعهم، على مستوى الأعضاء، وليس على مستوى الرؤساء، 3- إرفاق اسم مرشح «الكتلة الأكبر» بتوقيع أعضائها جميعاً.
تراجع الصدر عن موقفه الرافض تكليف السهيل لرئاسة الوزراء


هنا، تسأل مصادر برلمانية عن سبب «مماطلة» رئيس الجمهورية التي تبدو كأنّها مساعٍ لـ«الحفاظ على صورة صالح أمام الشارع بوصفه الضامن له»، وفي الوقت عينه الابتعاد عن أيّ مواجهة بين العامري والصدر سيكون هو ضحيتها، متسائلة عن وجود «ضغط أميركي يدفعه إلى هذا السلوك». لكن مصادر مطلعة على موقف صالح تنفي، في حديثها إلى «الأخبار»، وجود قرار أميركيّ مماثل، مضيفة أن «الأميركيين أبلغوا كل الأطراف أنهم لن يدعموا أحداً أو يقابلوا أيّاً من المرشحين»، كما تذهب إلى القول إن «خطوات رئيس الجمهورية لا تنبع عن حسابات سياسية، لكن حساسية الموقف تفرض عليه اتخاذها»، خصوصاً أن تسنّمه موقع «الرئاسة الأولى»، كحال عبد المهدي، جاء نتيجة «توافق أركان البيت الشيعي»، وأنه في ظل «الغموض الذي يلف مواقف أركانه، من المرجعية الدينية العليا (آية الله علي السيستاني) إلى الأحزاب والقوى السياسية وكتلها البرلمانية، إلى المتظاهرين، وصولاً إلى تفسير المحكمة الاتحادية، بات الرئيس في غنى عن الدخول في سجال ينعكس سلباً في الشارع أولاً»، مضيفة أن «دور صالح هو تنفيس الاحتقان القائم، في ظل اللادولة التي يعيشها العراق اليوم».
أمام هذا التعقيد، بدأ الحلبوسي، عقب اجتماع جمعه برؤساء الكتل البرلمانية المكوّنة لـ«البناء» ليل أمس، حراكاً لجمع تواقيع نوّابهم، للرد على طلب صالح، والتأكيد أن «البناء» هي «الكتلة الأكبر»، ثم دفع رئيس الجمهورية إلى تكليف السهيل رسمياً، في خطوة قد تتم اليوم، كما ترجّح مصادر سياسية مطّلعة، تلمّح في الوقت عينه إلى أن الصدر قد «تراجع» عن موقفه الرافض تكليف السهيل. فبعد نشره تغريدة في حسابه على «توتير» رفضه فيها، عاد «الزعيم الشاب» ليسحبها من التداول، ما فُسّر قبولاً بالسهيل وتسهيلاً «ضمنيّاً» لتكليفه.