كثيرةٌ هي الأسئلة التي طُرحت وستظلّ تُطرح حول أداء رئيس الوزراء المستقيل، عادل عبد المهدي: هل الرجل هو السبب في ما آلت إليه الأمور؟ أم أنه ضحية قنبلة فُجّرت بعد 16 عاماً على زرعها؟ والأهم: هل تنسجم حياة «مناضل سياسي» مع هذه النهاية؟ تُجمع مصادر سياسية عدة على أن عبد المهدي، إبّان رئاسته، لم ينخرط في منظومة الفساد المستشرية في مؤسسات الدولة، فيما تؤكد مصادر عاملة في مكتبه أن الرجل كان حذراً جداً، ويتحاشى أيّ شبهة قد تطاوله، بل «هو قادرٌ اليوم على تحدّي أيّ خصم شارك في إسقاطه أو حاول تشويه صورته إعلامياً». وتضيف المصادر، في حديثها إلى «الأخبار»، إنه «ما من مؤشر على فساده أبداً»، لكن في الوقت عينه يؤخذ عليه ضعفه في مكافحة الفساد، والتي نادى بها كثيراً. غرق المعارض السابق في «النظريات» وابتعد عن «التنفيذ». لم ينجح في إقناع فريقه الخاص والمقربين منه بالكفّ عن السرقة أو بيع توقيعاتهم مقابل ملايين الدولارات. هؤلاء ثمة إجماع سياسي على أنهم هم مَن «لوّثوا سُمعة الحكم» بشكل كبير خلال الأشهر الماضية، وصبغوه بصبغة استشراء الفساد، إلى جانب القوى الأخرى الداعمة للحكومة والمناوئة لها على حدٍّ سواء، والتي ترتسم علامات استفهام كبرى حول تراكم ثروات مسؤوليها خلال الفترة الماضية.عبد المهدي، الملقّب بـ«المفكر السياسي ــــ الاقتصادي»، في صفةٍ ينفرد بها مقارنة بعدد من المعارضين الأوائل لنظام صدام حسين، كان ندّاً ومنافساً لدوداً لمرشحي «حزب الدعوة الإسلامية» لمنصب رئاسة الوزراء منذ عام 2005. انتماؤه السابق إلى «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» (مؤسِّسه محمد باقر الحكيم، عمّ عمار الحكيم، زعيم «تيار الحكمة») يفرض ذلك. مثّل الرئيس المستقيل منافساً جدّياً لنوري المالكي وحيدر العبادي على السواء، لكنه ــــ للمفارقة ــــ لم يعمد مع تسلّمه منصب رئيس الوزراء إلى تغيير الطاقم الخاص به، والذي يمثّل ــــ بتعبير زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر ــــ «الدولة العميقة»، ليقتصر «التغيير على عدد محدود من الأساسيين... بعضهم جاء معه، وآخرون فرضَتْهم الأحزاب والقوى السياسية»، في ترجمة واضحة لقوة الأخيرة في فرض رغباتها على رئيس الوزراء.
يُسجَّل لعبد المهدي رفضه القاطع «العمل بمنهجية الإعلام الأصفر»


«لم يُحدث زلزالاً كسلفه»، يقول أحد المطّلعين على كواليس مكتب عبد المهدي، بل «لم يُجرِ تغييرات جذرية». يبرّر أحد أبرز العاملين في المكتب، وهو من المحسوبين على العبادي، ذلك بـ«مهنية الدكتور عادل»؛ فالرجل «لا يقف عند التفاصيل، بقدر ما كان همّه تحقيق الإنجاز». آخرون، من المحسوبين على «الدعوة»، يشيدون بـ«الاستقرار الإداري لهذه الحكومة، على عكس الحكومات السابقة، والتي منذ بدايتها يُسمع بانتقال ما أو تغيير ما...». لكن هذا «الاستقرار» تعتبره مصادر مؤثرة في العملية السياسية مأخذاً على عبد المهدي، الذي «عمل بأدوات غيره، وليس بأدواته، وهذا ما أضعفه»، على عكس سابقيه، وتحديداً العبادي الذي عمد، مع تصدّيه لرئاسة الوزراء صيف 2014، إلى «تغيير كلّ الكادر وكلّ الطاقم، عبد المهدي لم يغيّر»، بحسب ما يقول مصدرُ عامل في مكتب رئيس الوزراء.
كذلك، يُسجَّل لعبد المهدي ــــ بشهادة عدد من المصادر السياسية ــــ رفضه القاطع «العمل بمنهجية الإعلام الأصفر»، التي دأبت عليها الحكومات والوزارات والشخصيات السياسية، إلى جانب الأحزاب والقوى. ويُقصد بذلك «الجيوش الإلكترونية». فالعراق اليوم يعجّ بتلك الجيوش المموّلة من جهات عديدة، والساعية إلى التأثير في الرأي العام. قُدِّمت نصيحة إلى عبد المهدي بضرورة إنشاء «جيش» مماثل، والاستفادة من الأموال المتاحة، كما فعل العبادي. لكنه رفض الأخذ بتلك النصيحة. كما قُدّم له طرحٌ بتشكيل «جيش إلكتروني لإعلام أخضر»، يستعرض الإنجازات ويقدّم الإثباتات على عمله، إلا أنه لم يقبل بهذا أيضاً. رفضٌ يعدّه البعض مقتلاً للحكومة ورئيسها؛ كونه افتقد الكثير من الأدوات الإعلامية المقنعة، ولم يستفد حتّى من مكتبه الذي عجز عن ضبط الإعلام الرسمي، المرهون لتوجهات قوى وأحزاب مؤثرة عملت ضدّه منذ الأيام الأولى للحراك الشعبي في 1 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. رؤساء الحكومات السابقون كانوا يحاربون أيّ معارض لتوجّهاتهم في «شبكة الإعلام العراقي» أو «هيئة الإعلام والاتصالات». أما في حكومة عبد المهدي، فلم يكن الأمر كذلك، بتأكيد أكثر من مصدر.
أيضاً، حرص عبد المهدي على الابتعاد عن الأسلوب الفضائحي، بخلاف العبادي والمالكي اللذين أشعلا حرباً شعواء بعضهما ضدّ بعض. وفي هذا الإطار، يقول أحد المقرّبين من رئيس الوزراء المستقيل إنه «في الأزمة الأخيرة، قُدّمت إليه نصيحة تدعوه إلى فضح الأطراف القريبة منه، لأنها تعمل ضدّ توجيهات الحكومة... لكنّه بدلاً من أن يُسقطهم على رغم امتلاكه أدلّة ضدهم، رفض إيصال تلك الأدلة إلى الإعلام، بوصف ذلك خطوة معيبة بحق الدولة والحكومة».