بغداد | حسم رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، شكل الهيكل التنظيمي لـ«هيئة الحشد الشعبي»، بعد تجاذب طويل بين مقترحين: الأول لرئيس «الهيئة» فالح الفياض، والثاني لنائبه أبو مهدي المهندس (راجع «الأخبار»، عدد 3855). مضى حاكم بغداد بالخيار الأول، مانحاً بذلك الفياض «صلاحية التعيين بالوكالة للمناصب والمديرين في الهيئة... وإلغاء جميع العناوين والمناصب التي تتعارض مع العناوين الواردة في الهيكلية المقرّة». الهيكلية الجديدة الضخمة أخذت طابعاً كلاسيكياً. بات لـ«الهيئة» رئيسٌ ورئيس أركان. تتبع للأول (إضافةً إلى «المكتب» و«أمين السر العام») 10 مديريات لوجستية و8 قيادات قتالية تنفيذية، فيما تتبع الثاني 5 معاونيات رئيسة (أبرزها العمليات والاستخبارات) و25 مديرية و8 قيادات عملياتية في محافظات البلاد المختلفة، باستثناء الجنوبية منها.إنضاج هذه الهيكلية استغرق وقتاً كبيراً وتطلّب مناقشات مطوّلة داخل المؤسسة العسكرية، على رغم إشارة «الأمر الديواني 237»، الصادر عن عبد المهدي مطلع تموز/ يوليو الماضي، إلى عزم رئاسة الوزراء على حسم الهيكلية في الأسابيع اللاحقة، ومن ثم تأكيد الفياض، وفي مؤتمر صحافي أواخر الشهر عينه، أن الهيكل المرتقب سيكون «منجزاً» خلال أسابيع فقط. في الواقع، اشتغل فريقا الفياض والمهندس، طوال الأشهر الـ8 الماضية، على صياغة «مقترحات الهيكل التنظيمي»، ورفعها لاحقاً إلى عبد المهدي لإقرارها. «الأخبار» سبق أن ذكرت أن لجنة مؤلّفة من الفياض والمهندس ومدير مكتب عبد المهدي، محمد الهاشمي، ناقشت المقترحين المُقدّمين، في ظلّ توتر تصاعد منذ شباط/ فبراير الفائت بين صاحبَيهما، وبلغ ذروته مع التضارب في تشخيص الغارات الأخيرة التي استهدفت العراق؛ إذ حمّل المهندس واشنطن المسؤولية عنها، مصدراً قراراً بتأسيس «مديرية القوة الجوية»، فيما تبرّأ الفياض ومعه عبد المهدي من تصريحات الأول وقراره.
أراد عبد المهدي «معاقبة» المهندس على تصريحاته بإقالته من منصبه


وفيما تقول مصادر مطلعة إن عبد المهدي أراد «معاقبة» المهندس على تصريحاته تلك بإقالته من منصبه، إلا أن مصادر الأخير «تنفي ذلك نفياً قاطعاً». وتلفت المصادر إلى أن عبد المهدي أبلغ قراره لقائد «قوة القدس» في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي أبدى تفهّمه لخطوة رئاسة الوزراء، طالباً منه معالجة الأزمة، من دون أن يكون الحلّ بـ«كسر» المهندس. طوال الأسابيع الخمسة الماضية التي سبقت صدور «الأمر الديواني 331»، والذي حُسمت فيه «هيكلية الحشد»، عمل سليماني على تقريب وجهات النظر، لتتكلّل جهوده بـ«مصالحة» بين الفياض والمهندس، وتالياً الإعلان عن «الهيكلية». مع ذلك، ثمة انطباع بأن النتيجة هي «تقوية جبهة الفياض على حساب جبهة نائبه»، فيما يعتقد مراقبون عراقيون أن في القرار «استهدافاً لمنصب نائب رئيس الهيئة»، وسعياً إلى «استعادة سلطة الدولة على مختلف صنوف قواتها العسكرية في البلاد». وفي هذا السياق، تؤكد مصادر حكومية عديدة أن القرار ليس «استهدافاً» لشخص على حساب آخر، غير أن التوقيت وسياقاته ربما يوحي بـ«رسالة مماثلة»، علماً بأن رئاسة الوزراء سبق أن ألزمت نفسها - منذ شهرين - بإعلان «الهيكلية» في أيلول/ سبتمبر الجاري.
في النتيجة، يمكن القول إن «المسعى» الإيراني قضى بتبنّي مقترح الفيّاض، على أن يكون المهندس رئيس أركان «الحشد». وبذلك، تحتفظ بغداد برؤيتها في إدارة مؤسساتها، وتحفظ طهران في الوقت نفسه واحداً من أبرز حلفائها الميدانيين في العراق، بما يتّسق مع رؤيتها لكيفية «تدوير الزوايا» في هذه الساحة. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه، في هذا المقام، هو عما إذا كان التعامل مع الاعتداءات المستمرّة على مقارّ «الحشد الشعبي» سيخضع للقاعدة نفسها؟ حتى الآن، لا تشي ردود الفعل العراقية على الاعتداءات المتكررة بخلاف ذلك، إذ إن بغداد جدّدت أمس رفضها اتهام أي جهة بالهجمات التي تطال المنشآت العسكرية التابعة لـ«الحشد»، والتي كان آخرها في الساعات الماضية استهداف طائرات مجهولة محيط «معسكر المرصنات» في الأنبار، ومن ثم استهداف مقارّ لـ«الحشد» قرب بحيرة الثرثار في الفلوجة.