بغداد | أمر رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، قبل يومين، بـ«إجراء تحقيق شامل» في حادثة انفجار مخازن العتاد في «معسكر الصقر» جنوبي العاصمة بغداد، ورفع تقرير حولها خلال مدة أقصاها أسبوع. قرارٌ جاء ضمن سلسلة قرارات صدرت عقب ترؤسه اجتماع «مجلس الأمن الوطني» الأربعاء الماضي، ونصّت أيضاً على المباشرة بتعويض المتضررين من الحادثة التي وقعت مساء الاثنين الفائت وأدت إلى إصابة 13 شخصاً. عبد المهدي شدّد، كذلك، على ضرورة استكمال «الخطط الشاملة» لنقل المخازن والمعسكرات التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية و«الحشد»، أو غيرهم من فصائل شاركت في المعارك ضد تنظيم «داعش»، إلى خارج المدن، على أن تصدر الأوامر التنفيذية النهائية قبل نهاية شهر آب/ أغسطس الجاري، لجعل المدن «خالية» من مثل هذه المعسكرات والمخازن، معتبراً «وجود المعسكرات والمخازن خارج الموافقات المرسومة غير نظاميّ»، وسيكون التعامل معه وفق القانون والنظام.ولئن عزلت مصادر عاملة في مكتب عبد المهدي توقيت القرار عن مضمونه، محاولةً إدراجه في خانة «ضبط انتشار السلاح (وإن كان سلاح الدولة)، وفصله عن الأماكن المأهولة»، إلا أن التوقيت يُنظر إليه بـ«شيء من الريبة»، خاصة أن حادثة «معسكر الصقر» هي الثالثة من نوعها خلال الأسابيع الأربعة الماضية (بعد حادثة «معسكر الشهداء» في آمرلي وحادثة «معسكر أشرف» في ديالى). شكوك عزّزها «البند الرابع» في قرار عبد المهدي الأخير، الذي نصّ على إلغاء كافة الموافقات الخاصة بالطيران في الأجواء العراقية (الاستطلاع، الاستطلاع المسلّح، الطائرات المقاتلة، الطائرات المروحية، الطائرات المسيّرة بكل أنواعها) لجميع الجهات العراقية وغير العراقية، على أن «تُحصر الموافقات به فقط، أو من يخوّله أصولياً»، مع اعتبار «أي حركة طيران خلاف ذلك معادية، وستتعامل معها الدفاعات الجوية فوراً».
حتى الآن، ثمة ترجيح لدى المحققين في حادثة «معسكر الصقر» لكون إهمال العاملين قد حال دون تمكّنهم من إطفاء حريق نشب فجأة هناك، وأدى بسرعة إلى انفجار مخازن السلاح قبل أن يُحاصَر. روايةٌ تُجمع عليها مصادر حكومية وأخرى في «الحشد». لكن مصادر الأخير تشير، في حديثها إلى «الأخبار»، إلى رابط (ما زال قيد الدرس) بين الحادثة وقرار عبد المهدي وحادثة أخرى وقعت مطلع الشهر الجاري، حيث سقطت طائرة تجسس أميركية مسيّرة في إحدى مزارع منطقة الرضوانية شمال غرب العاصمة، بالقرب من مطار بغداد الدولي. آنذاك، تسلّمت القوات الأمنية العراقية الطائرة، لكنها لم تعلن محتوى «صندوقها الأسود»، كذلك لم تعلّق على الحادثة. لكن معلومات «الأخبار» تشي بأن «الطائرة نالت موافقة قيادة العمليات المشتركة قبيل إقلاعها»، فيما كان خطّ سيرها من أبو غريب (غرب العاصمة) إلى المحمودية (جنوب العاصمة). هنا، يسأل مصدر أمني رفيع: «أليس ممكناً أن تكون الطائرة قد صوّرت معسكر الصقر، وقدّمت إحداثياته لجهة ما عبثت بالمكان؟».
القرار يستفزّ الولايات المتحدة، وقد يكون سبباً في تصعيد أميركي ــ إيراني


مصادر «الحشد» ترفض، إلى الآن، أي حديث عن قصف أميركي أو إسرائيلي لـ«معسكر الصقر» أو المعسكرين الآخرين، فيما تتمسك «كتائب حزب الله» بسردية الاستهداف الإسرائيلي لتلك المواقع. أيضاً، يستغرب أحد المقربين من زعيم «عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، أمر إطفاء رادار الناصرية ورادار التاجي قبل حادثة «معسكر الصقر»، وهو أمر تنفيه مصادر أمنية عراقية، مفضّلةً «التريّث» في حسم أسباب الحادثة، من دون أن تستبعد احتمال أن يكون العمل «تخريبياً» في هذا التوقيت الدقيق الذي تمرّ به البلاد والمنطقة.
على أي حال، ثمة تساؤلات كثيرة عن أسباب تحليق طائرات مسيّرة (بعضها أميركي، وبعضها الآخر مجهول) في الأجواء العراقية، في طلعات «غير منسّقة» مع الحكومة. تساؤلات تضع الأخيرة في موقف حرج لناحية مدى التزامها صونَ السيادة العراقية. ومن هنا، كان قرار عبد المهدي بضرورة ضبط المجال الجوي، والعمل على حصر القرار بيد رئيس الوزراء، بحسب مصادر «الحشد». من جهتها، تبيّن مصادر عاملة في مكتب عبد المهدي أن القرار الأخير سَحَب «منح إذن التحليق» من قيادة «العمليات المشتركة»، وحَصَرها بيد رئيس الوزراء، في خطوة تستهدف ــــ بحسب المصادر نفسها ــــ رفع مستوى «التنسيق» مع طهران، ومنع الأميركيين من الاستفادة من الأجواء العراقية في أي طلعة قد تهدف إلى التجسّس على الأراضي الإيرانية من جهة، أو تقديم معلومات استخبارية لطرف ما، قد يستفيد منها في استهداف موقع معين لاحقاً. وتلفت المصادر عينها إلى أن القرار يستفزّ الولايات المتحدة، وقد يكون سبباً في تصعيد أميركي ــــ إيراني في «بلاد الرافدين» من دون أن يكون معلناً، محتملة وقوع حوادث مماثلة في الأسابيع المقبلة.