بغداد | أعلن زعيم «التيار الصدري»، قبل أيام، رفضه أي تمويل حكومي للشروع في المرحلة الثالثة من تشييد ضريح المرجع محمد باقر الصدر، الأب الروحي لـ«حزب الدعوة الإسلامية»، متسلّحاً بقرابته من الراحل (ابن عم أبيه من جهة، وأبو زوجته من جهة أخرى)، قال مقتدى الصدر إن «آل الصدر لا يشيّدون قبورهم بأموال عامة وعلى حساب الفقراء، وعلى الجهات الأمنية التابعة للمرقد منع العمل بأي صورة كانت، وإلا كان لنا تصرف آخر». موقفٌ أثار استغراب أنصار الصدر قبل خصومه، خصوصاً أنه جاء عقب تسريب وثيقة لوزارة الإعمار والإسكان، تُبيّن صرف مبلغ 45 مليار دينار عراقي (حوالى 38 مليون دولار أميركي) للشركة التركية التي تتعهّد هذه الأعمال في محافظة النجف منذ سنوات، بإشراف مباشر من الصدر، الذي سبق أن عيّن قبل أشهر ابن أخيه أحمد الصدر مسؤولاً عن المرقد، ومشرفاً على إعماره، بعدما زار المكان بنفسه عام 2016، حيث استمع إلى شرح مفصل للمشروع والمراحل المتبقية منه، مُوجّهاً بتسريع العمل فيه. بقراره الأخير، أراد الصدر، على ما يبدو، استيعاب انتقادات الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين هالهم المبلغ المذكور، محاوِلاً تحويل الهجوم نحو «الدعوة»، وتحديداً زعيمه نوري المالكي، بتحميله مسؤولية «الإسراف وهدر المال العام»، على اعتبار أن هذا المشروع من مشاريع حكومات المالكي التي «تفوح منها رائحة الفساد»، بوصف مصادر «التيار».
المعنيون في وزارة الإعمار والإسكان أبدوا استغرابهم من قرار الصدر

وتبلغ المساحة الكلية للمرقد 6000 متر مربع، ويصل ارتفاعه إلى 12 متراً، وتتوسطه قبة كبيرة تصفها الوزارة بـ«الأكبر» في العراق حتى الآن، بقطر 23.7 متراً، وبارتفاع 37 متراً، إضافة إلى منارتين بارتفاع 56 متراً. ويضمّ، إضافة إلى قبر الصدر، مكتبات وقاعات دراسية وخدمية إدارية ومساحات خضراء. وقد بلغت تكلفة المرحلة الأولى منه 12 مليار دينار (10 ملايين دولار)، والمرحلة الثانية 36 مليار دينار (30 مليون دولار)، والمرحلة الثالثة 45 مليار دينار (38 مليار دولار)، أما المرحلة الرابعة فلم تنطلق لغاية الآن، ليكون المجموع الكلّي حوالى 78 مليون دولار. وفي عهد المالكي، وتحديداً في عام 2008، وُضع الحجر الأساس للمشروع، وقد سبق المرحلةَ الأولى نقل رفات الصدر من مقبرة «وادي السلام» في النجف في عام 2006. وفي عام 2015، سُرّعت عمليات البناء مع وصول طارق الخيكاني (المحسوب على الصدريين) إلى وزارة الإعمار والإسكان.
مصادر «التيار الصدري» تقول في حديثها إلى «الأخبار» إن الإعلان الأخير يأتي في إطار تبنّي «موقف الإصلاح... والدفاع عن حقوق المظلومين... ومنع الهدر في المال العام، وتوجيه الإنفاق على المشاريع الملحّة، كالماء والكهرباء والمدارس والطرق...»، فيما تضعها مصادر أخرى من داخل التيار أيضاً في سياق «ارتباك نعيشه حالياً، في ظل تضارب القرارات، وحيرة الأتباع». من جهتهم، يتساءل مقرّبون من المالكي عن سبب «تأخّر» هذا القرار: «لماذا الآن؟ ولماذا لم يشرع ببنائه على حسابه سابقاً»، لافتين في حديثهم إلى «الأخبار» إلى أن «مشاريع كهذه سبق أن درّت أموالاً وافرة، ساهمت في تمشية حال التيار».
بدورها، لم تعلّق الوزارة على موقف الصدر، لكن أحد المعنيّين داخلها يقول لـ«الأخبار» إن للوزارة «عقوداً مع شركات تركية وأخرى إيرانية للقيام بأعمال الصيانة والتأهيل والبناء، وكل شركة من هذه الشركات تقوم بدورها، فضلاً عن بعض الشركات المحلية التي تنفذ أعمالاً ثانوية»، فـ«المشروع لا يتعلق بالصدر، رغم القرابة المباشرة، بل برمز عراقي». ويصف قرار المنع بـ«غير القانوني»، مشيراً إلى أن «المعنيين تباحثوا خلال الساعات الماضية تداعياته... فالصدر ليس الحكومة، ولا نعرف كيف سيُنفّذ قراره». ويتساءل: «هل سيرسل قوات خاصة إلى المرقد ويمنع الشركات من الدخول إليه؟ وما مصير العقود التي وقّعناها؟»، خاتماً حديثه بأنه «تم الاتفاق على إرسال وفد وزاري إلى مدينة كربلاء، وربما إلى النجف، لتطويق القضية، والنظر في مآلات القرار الصدري، وبحث إمكانية تسويته».