حصلت «الأخبار» على نسخة من وثيقة مصنّفة بـ«سري للغاية وشخصي»، بعنوان «موجز عن العمليات التي جرت في قاطع عمليات نينوى للفترة من 7 ـــــ 10 حزيران 2014»، موجّهة إلى رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، بتاريخ 11 حزيران/ يونيو 2014، وموقّعة من قائد «قوات الشرطة الاتحادية» الفريق الركن محسن عبد الحسن لازم، وقائد «القوات البرية» الفريق أول الركن علي غيدان مجيد، ومعاون «رئيس أركان الجيش للعمليات» الفريق أول الركن عبود كنبر هاشم. الوثيقة وصفت انسحاب القوات من دون قتال بأنه «وصمة عار وخزي» لقيادة «عمليات نينوى» (و«الفرقة 2»)، والتي استهترت بالمعلومات التي أدلى بها أحد الإرهابيين قبل أيام، عن نية «داعش» احتلال المدينة. كذلك، أشارت إلى أن العملية كانت «مدبرة... ومنسّقة بشكل عالٍ مع جهات داخلية وخارجية»، متأسفة لـ«الموقف السلبي» للحكومة المحلية، برئاسة المحافظ الأسبق أثيل النجيفي، وانخراط وسائل إعلام مرئية ومسموعة في الحرب النفسية التي شُنّت على القوات الأمنية، بهدف تضليلها وضرب معنوياتها.
حرصت «قيادة العمليات المشتركية ـــ خلية الإعلام الحربي»، خلال عمليات استعادة مدينة الموصل، على نشر خرائط يومية توضيحية، تبيّن الأحياء المحرّرة من قبضة «داعش» (من الويب) | أنقر على الصورة لتكبيرها

توضح الوثيقة مسارين للأحداث: الأول الحركة الميدانية للقوات الأمنية العراقية، والثاني لإرهابي «تنظيم داعش». في المسار الأول، وتحديداً في 7 حزيران عند الساعة 12 ظهراً، توجّه كنبر وغيدان، مع هيئات الركن إلى «قيادة عمليات» نينوى للإشراف على العمليات الجارية. وعند الساعة 4 عصراً، جرى تفقدٌ لقطعات «خط الصدّ». وعلى ضوء الموقف، اتخذت القوات خط صدّ جديداً من «الجسر الثالث ــــ فندق الموصل ــــ مجسر اليرموك وباتجاه حي الصحة ـــ الآبار» (شرقي الموصل)، وقد تم تكليف قوة بمسك الخط للحيلولة دون اندفاع الإرهابيين، واحتواء تعرّضهم. كذلك، تم إصدار أوامر من قيادة «القوات البرية» إلى أفواج عدة، استمرّت في الوصول إلى قاطع العمليات منذ مطلع حزيران حتى الـ8 منه، بهدف الانتشار في أماكن عدة في المدينة، وتعزيز خطوط دفاعها.
في المقابل، استطاع الإرهابيون، وتحديداً في 5 حزيران، السيطرة على أحياء «حاوي الكنيسة، 17 تموز، 30 تموز، حي الرفاعي، حي النجار، الإصلاح الزراعي، الهرمات، حي التنك، المنطقة الصناعية» (غربي المدينة)، في ظلّ تواجد بعض المنتسبين للقوات الأمنية، إنما بزيّ مدني، وإطلاعهم مديرية الشرطة على تحركات الإرهابيين، الذين استمروا في الضغط حتى فجر 8 حزيران على خطّ صد «الجسر الثالث ـــــــ مجسر اليرموك»، محدثين ثغرات فيه. القيادة العسكرية طلبت من قائد «الفرقة الثانية» في الجيش، العميد الركن عبد المحسن فلحي، تحريك قوة لإعادة مسكه، غير أنه امتنع عن ذلك، طالباً إعفاءه من منصبه، ليتمّ له ما أراد بموافقة المالكي. وقد أُرسلت قوة بعدها لاستعادة أماكن الخرق في ليلة 7 ــــ 8 حزيران، من دون أن تفلح، مع اندفاع الإرهابيين باتجاه منطقة «الزنجيلي ــــ فندق الموصل ــــ مستشفى الموصل»، في ظلّ انسحاب القطعات العسكرية من بعض النقاط قبل حدوث أي تماسٍ مع الإرهابيين، مما سهّل اندفاعهم باتجاه مركز المدينة.
انسحاب القوات من دون قتال كان «وصمة عار وخزي» لقيادة «عمليات نينوى»


عند الساعة 9 ليلاً، في 8 حزيران، أُمر بتحريك قوة لحماية مطار الموصل، إثر انسحاب الشركة الأمنية المولجة بحماية المطار، إضافة إلى مسك منطقة «البوسيفين»، وقد تم تنفيذ الأمر. بدورهم، واصل الإرهابيون اندفاعهم في 9 حزيران، وقد تسرّبت قطعات من دون أن تشتبك معهم، بل عمدت إلى ترك مواقعها وأسلحتها. عند الساعة 4 عصراً من اليوم نفسه، عقدت قيادة القوات اجتماعاً لوضع خطة للهجوم تلخصت في ما يلي: تقوم قوة بالتقدم من «فندق الموصل» باتجاه الطريق المحاذي لنهر دجلة باتجاه «حي 17 تموز ــــ مشيرفة»، وبالتوازي تتوجّه قوة أخرى لاستعادة المواقع الساقطة، وتطويق الموصل من «الساحل الأيمن»، وتحديداً من «بوابة الشام» باتجاه «خط رياض ــــ حي التنك». لكن، وفي أثناء عملية التخطيط، تسارعت الأحداث، وانهارت القوات على «خط الصدّ»، واندفع الإرهابيون إلى شمال مركز المدينة، ما أدى إلى تأجيل العملية، والتفكير بمسك «خط صدّ» قوي جديد من «الجسر الخامس ــــ الموصل الجديدة ــــ حي الصحة». لكن الخطة لم تنفّذ أيضاً، لاندفاع الإرهابيين واجتيازهم الخط الجديد باتجاه مركز مدينة الموصل. عند الساعة 6 بعد الظهر، وخلال لقاء آخر بين القيادات العسكرية والأمنية، أكد الجميع أنهم يفتقدون إلى «المعلومات الكافية عن العدو وحجمه ونواياه». مساءً، وعند الساعة 9.15 ليلاً، بدأ الحديث عن الترتيبات الجديدة، لتعزيز القطعات الماسكة للطريق العام، ومسك مطار الموصل بقوة، والتأكيد على ضرورة الحفاظ على منطقة «البوسيفين»، لمنع الإرهابيين من التقدم باتجاه المطار.
منتصف ليل 9 ـــ 10 حزيران، ينسحب قائد «عمليات نينوى» من مقرّه متجهاً إلى «الساحل الأيسر» (القاطع الشرقي للموصل)، وقد أُمر بالعودة إلى مقرّه إلا أنه لم يمتثل لذلك. وعند الساعة 1 فجر 10 حزيران، أعلم قائد «شرطة نينوى» بتسرب معظم منتسبيه، وبقاء 14 منتسباً معه فقط، وقد أُمر بالتحرك للدفاع عن مقر القيادة والمطار ومخازن العتاد ومعسكر الغزلاني. وبعد 30 دقيقة، انسحبت قطعات الجانب الأيمن (القاطع الغربي للموصل) بالكامل، من «الشرطة الاتحادية» و«أفواج الطوارئ»، باتجاه «الجسر الرابع»، ومنه إلى «الساحل الأيسر» باتجاه «الحمدانية»، ما أثّر على معنويات القوات الأخرى التي بدأت بالإنهيار، فتركت أماكنها وأسلحتها وآلياتها، باستثناء قائد «الفرقة 2» المكلّف حديثاً، العميد الركن فاضل جواد علي. لكن، ومع ساعات الصباح الأولى، وتحديداً عند 4.30، انهارت كافة القطعات في «الساحل الأيسر»، ليندفع الإرهابيون إليه، في ظلّ انسحابٍ للقوات من دون أي أمر عسكري.
عند الساعة 7.30 صباحاً، كان العدد التقريبي للقوة لا يتجاوز 70 مقاتلاً، فأمر المالكي بالتعامل مع الموقف بحسب تقديرات الضباط الباقين هناك. وعند الساعة 8.30، انتقل مقر «العمليات المشتركة» من «الساحل الأيسر»، في ظلّ اشتباكات عنيفة مع العناصر الإرهابية، إلى سد الموصل. قبيل المغرب، وتحديداً عند الساعة 6.20، توجّه أعضاء مقر «العمليات المشتركة» إلى مطار أربيل بعد تأمين «طائرة C- 130»، عائدين إلى بغداد!