متّكئاً على «عوجيّته» (العصا)، خرج مقتدى الصدر (أواخر شهر آذار/ مارس الماضي) إلى الضوء بعد غياب أثار تساؤلات عدة عن صحته، لتعود مصادر الرجل وتؤكد أن «السيد بصحة جيدة». ظهورٌ أطلق إشارة البدء لحضور مكثف على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يدأب الرجل على إطلاق مواقف سياسية، كان أبرزها أخيراً ما أشعل أزمة دبلوماسية مع البحرين. أزمة جدّدت التساؤلات المتقادمة حول محددات خطاب الزعيم الشاب، الذي يصفه المقربون منه بأنه «متمرد وفريد وغير متوقع».بعد غياب ناهز ثلاثة أشهر، عاد زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، إلى التغريد على شبكة «تويتر». منذ 29 آذار/ مارس الماضي، تزخر صفحته، بشكل شبه يومي، بالمواقف والبيانات و«النصائح»، التي تعيد تصدير «نظرياته» على المستويات كافة، مُمرّرةً رسائل متعددة إلى الأصدقاء والخصوم. نموذج من ذلك ما أورده الصدر الشهر الفائت تحت شعار «الآفة التاسعة»، حيث هاجم بشكل مبطن بعض حلفائه مِمَّن «يتظاهرون في (ساحة) التحرير صباحاً، ويجالسون الفاسدين ليلاً»، لافتاً إلى أن هؤلاء يطالبون بإسقاط الفاسدين «شلع قلع... إلا أنهم يتصلون بهم لاستحصال وظيفة».
(من الويب)

على أن «رسائل» الصدر لا تقتصر على الداخل، بل تمتدّ في أحيان كثيرة إلى الملفات الخارجية، مثلما حدث في 27 نيسان/ أبريل الفائت، عندما جدّد الرجل دعوته حكام سوريا واليمن والبحرين إلى التنحّي. دعوة ليست الأولى من نوعها، إلا أنها هذه المرة استثارت المنامة التي ارتأت الرد على لسان وزير خارجيتها، خالد بن أحمد آل خليفة، الذي وصف الصدر بـ«الأحمق المتسلط». وهو ما ولّد أزمة دبلوماسية بين البلدين، سارعت السعودية إلى مساندة حليفتها البحرين في خضمّها، على رغم تودّد «الصدريين» المتكرر إلى حكام السعودية الجدد. وفيما أجمعت القوى السياسية العراقية في العلن على التضامن مع الصدر، كانت شخصيات من حلفاء الرجل وخصومه تطرح تساؤلات في جلسات خاصة عن «ماذا يريد السيد؟»، معتبرة أن «الصدر يتطرّق إلى بعض المسائل الشائكة، ولا يقدم حلولاً جذرية أو رؤية متكاملة، وهو أمر يسبّب إحراجاً للحليف والخصم على حدّ سواء».
الفريق المحيط بالرجل متعدّد المشارب والاتجاهات


لكن «حزب الله» لم يجد حرجاً في إعلان التضامن مع الصدر، الذي وصفه بيان الحزب بأنه «رمز كبير من رموز الشعب العراقي»، عادّاً في المقابل الوزير البحريني «شخصية سفيهة وتافهة». بيانٌ مرتفع اللهجة، تقرأ فيه مصادر مطلعة رسالة مبطنة إلى زعيم «التيار الصدري» بضرورة «دوزنة انفتاحه» على الدول الخليجية، أخذاً في الاعتبار حسابات تلك الدول وتطلعاتها وانعكاسات ذلك على العراق. وإذ تتساءل المصادر: «كيف يريد الصدر انفتاحاً على جهات عملت على إهانته بشكل مقيت؟»، فهي تعرب عن اعتقادها بأن ما جرى أخيراً على خط المنامة ــــ بغداد «صبّ في مصلحة طهران»، معتبرة أن التودد السعودي إلى الصدر انكشف «زيفه» عند أول منعطف «عارض» فيه الرجل توجهات حلفاء الرياض، وهو أمر يُراهَن عليه لإبقاء الصدر في «المنطقة المحايدة» على الأقلّ. «حيادُ» كان الصدر قد أعلنه بنفسه في البيان الشهير الذي هاجم فيه البحرين، حيث قال إن العراق «واقع بين طرفين متصارعين هما إيران وتحالف ترامب ونتنياهو»، مؤكداً أنه «ليس بصدد الاختيار بين دعم إيران، أو دعم الاتحاد الثنائي... فدعم الأخير ممنوع ومحرم». بناءً على التصريح المتقدم، يُستشفّ أن الزعيم الشاب لا يعارض التفاعل الإيجابي مع طهران، لكن ما جرى قبل أسبوع تحت قبّة البرلمان العراقي أرسل إشارات سلبية على هذا الصعيد. إذ إن كتلة «سائرون»، المدعومة من الصدر، قاطعت جلسة التصويت على قانون إقامة المدن الصناعية المشتركة، التي من بينها خمسٌ تم الاتفاق في شأنها مع إيران أثناء زيارة الرئيس حسن روحاني الأخيرة لبغداد.
إزاء ذلك، تقول مصادر من داخل «التيار الصدري» إن «المشكلة تكمن في هيكل التيار نفسه... لأن الصدر لا يريده مؤسسة حزبية واضحة المعالم». وتضيف إن الفريق المحيط بالصدر متعدّد المشارب والاتجاهات. صحيح أن عناصره جميعهم على «خطّ السيد الشهيد (محمد صادق الصدر، والد مقتدى)»، إلا أن لهم ميولاً سياسية متضاربة ويسلكون اتجاهات متفاوتة في التعامل مع المشهدين الإقليمي والدولي، ومن هنا، تتباين «نصائحهم» لزعيم «التيار». «مشكلة» يصعب، من وجهة نظر المصادر نفسها، حلّها، وخصوصاً أن ثمة جناحاً متعاطفاً مع إيران وهو «الخطّ الجهادي»، وآخر من الأجنحة السياسية يدعو إلى «العودة إلى الحضن العربي». لكن مصادر أخرى، من داخل «التيار» أيضاً، تذهب في عكس ذلك الرأي تماماً، مشددة على أن «الصدر هو الصدر، لا يتأثر إنما يؤثر، يكتب ما يجب أن يُكتب، ولا يخضع لأي إملاء أو نصيحة»، متابعة أن الرجل «يصدر قراره بناءً على ما يراه مناسباً». وفي شأن الأزمة الأخيرة مع البحرين، تشير المصادر إلى أن لقائد «التيار» الحق في التعبير عن رأيه، وطرح ما يراه مناسباً مع التزامه بـ«السقف الطبيعي لأدبيات الخطاب السياسي»، آسفةً لردّ المنامة الذي تناول «السيد» بشكل شخصي.



الصدر والـ«PUBG»
تتنوّع رسائل الصدر، التي تتخذ من «تويتر» منبراً لها، ما بين السياسية والاجتماعية وغيرها، ويتوجّه بها الرجل إلى مختلف الشرائح، خاصّاً منها الشباب الذين يصبّ تركيزه على «توجيههم وتوعيتهم». في هذا الإطار، جاءت دعوة الصدر في الـ 10 من نيسان/ أبريل الماضي إلى حظر لعبة «PUBG» الإلكترونية، بعد انتقاده من يمضون ساعات طوالاً في تعاطيها، ليعقب ذلك بأسبوع إقرار البرلمان العراقي حظر اللعبة المذكورة وغيرها من الألعاب ذات «الآثار السلبية على صحة وثقافة وأمن المجتمع العراقي». يدرج مقرّبون من الصدر اهتمام الرجل بالـ«PUBG» وغيرها في إطار «ولعه بالتطور التكنولوجي» ومتابعة كل ما هو جديد في هذا العالم، لافتين أيضاً إلى أن «السيد متابعٌ عن كثب» لما يجري على شبكات التواصل الاجتماعي، وهو يمتلك «حسابات وهمية» لمواكبة مجريات «الفضاء الافتراضي».