لم يكن سهلاً ولا مستساغاً لدى «الدعويين» (نسبة إلى حزب الدعوة) تكليف عادل عبد المهدي بتأليف الحكومة الاتحادية المقبلة. المشكلة ـــ من وجهة نظرهم ـــ ليست في شخص الرجل، إنما في خروج السلطة من قبضة حزبهم الذي هيمن على مفاصل الحكم لـ13 عاماً متواصلة (2005 ــ 2018). خروجٌ مدوٍّ لأعرق حزب سياسي في بلاد الرافدين بوصف خصومه قبل أنصاره؛ إذ يمثّل «الدعوة» باكورة تيارات «التشيع السياسي» (تأسّس عام 1957)، ليس في العراق فحسب، بل في المنطقة أيضاً.حيدر العبادي كان آخر وجوه «الدعوة» في الحكم. تولّيه المنصب التنفيذي الأول في العراق ــ بطريقة «انقلابية» كما يقول أنصار سلفه نوري المالكي ـــ في آب/ أغسطس 2014، أحدث شرخاً ما زالت آثاره ملموسة حتى اللحظة. هذا الشرخ، وعلى مدى السنوات الأربعة الماضية، غذّته «حاشية» المالكي والعبادي على السواء. فلم تفلح جهود العودة إلى «السقف الواحد» من جهة، ولم يُحصَر الخلاف داخل البيت الحزبي من جهة أخرى، بل بات مادة دسمة للتجاذب بين مختلف القوى السياسية التي أجادت الاستثمار فيه، وساهمت في تفريق «الدعويين» الذين ظنّوا أن تحالفاتهم (على اختلافها) ستبقيهم على رأس السلطة، في حين كان الاتفاق الضمني بين مختلف القوى السياسية على إقصائهم منها.
خسارة الحكم، واستمرار تناحر الأجنحة، يولّدان أسئلة كثيرة حول مستقبل «الدعوة»، ومصير حزب خرج من رحمه جُلّ ساسة «عراق ما بعد صدام». أسئلة يسارع خصوم الحزب، الفرحون بخسارته رئاسة الوزراء، إلى حسم الإجابة عليها بأن «الدعوة ــ وفي ظلّ وضعه التنظيمي هذا ــ يعيش حالة من الموت السريري، هو حزب انتهى مع خروج العبادي من السلطة»، وفق ما تقول لـ«الأخبار» مصادر من داخل تحالفَي «البناء» (هادي العامري) و«الإصلاح» (مقتدى الصدر)، مضيفة أن «الحكم كان متنفّس الدعويين الوحيد، وما جرى أخيراً يشي بأن نهايتهم تلوح في الأفق». لكن لـ«الدعويين» كلاماً آخر.
عُقد قبل يومين اجتماع لـ«شورى الدعوة» بحضور المالكي والعبادي


«حزب الدعوة لن يموت، لأنه متجذّر في الأمة... لأنه حزب وطني ـــ وسطي... نحن لم نُصنع خارج الوطن كي نموت، والأحزاب التي تتبع لإرادة أجنبية هي فقط التي يمكن أن تموت مهما بلغت قوتها». بهذه الكلمات يعبّر أحد قيادات «الدعوة» الوسطيين عن إيمانه بأن حزبه لا يزال قادراً على إعادة إنتاج نفسه بنفسه. وهو ما يوافق عليه قيادي آخر، يرى أن «الاختلاف كان صِبغةَ الدعوة، ودائماً ما كان في الشورى رأيان أو أكثر، لأننا حزب حوار»، مضيفاً في حديث إلى «الأخبار» «أنها خلافات وليست أكثر من ذلك»، لكن الأشكال التي اتخذتها أدت ــ من وجهة نظر القيادي نفسه ــ إلى «شخصنة» التباين. وعلى رغم أن جناحَي «الدعوة» يتبادلان الاتهامات بـ«الانشقاق»، إلا أن القيادات الوسطية ترفض الحديث عن «انشقاقات»، موضحة أن «الدعوة كان حزباً سرياً، ومع خروج خلافاتنا إلى العلن بشكل حادّ وقاس، ظهرت وكأنها انشقاقات داخل البيت الواحد».
انطلاقاً من المُحدّدات المتقدمة، يتحدث هؤلاء عن قناعة داخل «الدعوة» بأن «الاختلاف في وجهات النظر لا يجب أن يدفع بأحد إلى الخروج لمصلحة الطرف الآخر». وهي قناعة ترسّخت، بحسبهم، خلال السنوات الأربع الماضية، في كل مرة كانت فيها القوى المنافِسة تراهن على خروج العبادي حيناً، والمالكي حيناً آخر، وتأسيس كلّ منهما كياناً سياسياً شاباً مستنداً إلى أفكاره الخاصة. في هذا الإطار، يقول أحد القادة التاريخيين في الحزب والساعين إلى التوفيق بين الجناحَين، في حديث إلى «الأخبار»، إن ثمة «إيماناً بأن الحزب هو إرث لا يمكن التفريط به»، مُعرِباً عن أمله بـ«عودتنا حزباً واحد، وعودة جميع من خرّب وبقي على حب الدعوة إلى بيت الدعوة، الذي ما زال مشرّعاً أمام الجميع».
أمل يرى القيادي نفسه أن ثمة مؤشرات تعزّزه، كاشفاً من بينها عن اجتماع لـ«شورى الدعوة» عُقد قبل يومين بحضور المالكي والعبادي وآخرين، في ظلّ «مناخ إيجابي، واتفاق على وضع أسس وآليات لحلّ هذه المعضلة»، مؤكّداً أن «مساعي توحيد الجناحين لا تزال قائمة ومستمرة، ولم تنته أبداً». وعلى رغم ذلك التفاؤل، إلا أن أوساط جناحَي «الدعوة» تستبعد عودتهما إلى «السقف الواحد» في الوقت الراهن، في وقت علمت «الأخبار» أن «المؤتمر العام للحزب، والذي تأخّر لعامين، سيُعقد بعد الانتهاء من مراسم زيارة أربعينية الإمام الحسين (30 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري)، مع احتمال انعقاده أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل». وفي انتظار المؤتمر الذي يوصف بـ«المصيري»، يعقد «الدعويون حالياً جلسات وندوات في سبيل إيجاد مخرج للأزمة، أساسها إعادة هيكلة الحزب مجدّداً، حتى تطرح على المؤتمر العام، وتنال الثقة، ونعود إلى الساحة بوجه جديد»، وفق ما تقول مصادر من داخل الحزب.