بغداد | تسلّم برهم صالح، أمس، مقاليد منصبه خلفاً لرفيق النضال في «الاتحاد الوطني الكردستاني» محمد فؤاد معصوم. انتخابه رئيساً للجمهورية لاقى ترحيباً محلياً وإقليمياً ودولياً، خصوصاً من قِبَل الولايات المتحدة وإيران، اللتين يمثّل الرئيس الجديد، والرئيس المكلّف تشكيل الحكومة الاتحادية عادل عبد المهدي، نقطة تقاطع بينهما، الأمر الذي شكّل دافعاً قوياً لتزكيتهما أو الرضاء بهما. إلا أن المخاض الطويل الذي مرّت به عملية انتخاب صالح رئيساً، قابله استعجال في تكليف عبد المهدي تشكيل الحكومة. إذ ما إن أُعلن فوز صالح، حتى حضر عبد المهدي إلى البرلمان، وكُلّف سريعاً مهمة وُصفت بـ«الصعبة»، قد تمتدّ لأشهر حتى يُسدَل الستار عليها. سرعة مردّها، وفق مصادر سياسية مطلعة، تخوّف أبداه الأمين العام لـ«منظمة بدر» هادي العامري، وزعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر، وزعيم «تيار الحكمة» عمار الحكيم، من خطوة «انقلابية» قد تطيح «مرشح التسوية»، يقودها جناحا «حزب الدعوة الإسلامية» المتخاصمان بزعامتَي نوري المالكي وحيدر العبادي، الذي كان قد أعلن «رفضه» القاطع عملية «التسوية» بوصفها خطوة «غير دستورية»، ولا سيما أن «الكتلة النيابية الأكبر» لم تطرح عبد المهدي بشكل صريح. هذا التخوّف دفع مُهندسي «التسوية» إلى التشديد لعبد المهدي على الحضور سريعاً إلى البرلمان، حتى يُكلَّف ويُقطع الطريق أمام «الدعويين» الذين «صُدموا» بهذه الخطوة. مصادر «الدعوة» ــ على اختلاف أجنحته ــ تبدي، في حديثها إلى «الأخبار»، امتعاضها من تكليف عبد المهدي، لأنه «توافق إيراني ــ أميركي بالدرجة الأولى، وتوافق بين العامري ــ الصدر (ومن خلفه الحكيم) بالدرجة الثانية، ونال رضا المرجعية الدينية العليا (آية الله علي السيستاني) بالدرجة الثالثة». وتذهب مصادر العبادي إلى القول إن «ما جرى التفاف على الدستور، ومؤامرة لإخراج العبادي». أما مصادر المالكي، فترى أن تكليف عبد المهدي «مردّه عناد الجناح الآخر الرافض لأي عملية من شأنها توحيد أجنحة الحزب». وفيما يتبادل «الدعويون» الاتهامات بالمسؤولية عن «خسارة الحكم»، فإن العبادي ظلّ ــ حتى فجر أوّل من أمس ــ يتمسّك بمقولة «أحقيته» في رئاسة الوزراء، وأن معايير «المرجعية» لاختيار الرئيس تنطبق عليه، لا على عبد المهدي.
نجح العامري والصدر في إمرار تكليف عبد المهدي وتجنّب انقلاب «الدعويين»


هكذا إذاً، نجح العامري والصدر في إمرار تكليف عبد المهدي، وكذلك في تجنّب «انقلاب الدعويين على التسوية»، التي يراد منها إشراك الجميع في التركيبة الجديدة. ولئن كان الحديث عن التشكيلة الحكومية مبكراً، خصوصاً أن قطار النقاشات لم ينطلق بعد (يُتوقّع خلال اليومين المقبلين)، إلا أن رؤيتين تدوران في فلك التشكيل الحكومي، بمعزل عن العراقيل التي قد تشوب عملية التأليف. وتخدم الرؤية الأولى فكرة التكنوقراط المستقل، وتقوم على تقليل عدد الوزارات والمناصب، أما الرؤية الثانية فتخدم فكرة التسوية، وتستند إلى مبدأ استحداث المناصب لإرضاء معظم المشاركين في الحكم، وهي شكلٌ آخر من المحاصصة التي «لا يمكن الهروب منها» بحسب البعض. وتفيد معلومات «الأخبار» بأن مقترحاً سيُقدّم إلى عبد المهدي من قِبَل تحالف «البناء» (العامري ــ المالكي)، يرتكز على استحداث مناصب جديدة في الحكومة الاتحادية، هي:
1- نائب رئيس الوزراء للشؤون الأمنية، ويُسنَد إلى مستشار الأمن القومي المُقال فالح الفياض.
2- نائب القائد العام للقوات المسلحة، ويُسنَد إلى هادي العامري.
وفي هذه الحالة، سيكون عبد المهدي مسؤولاً عن الشق الاقتصادي ــ الخدماتي في البلاد، فيما يتولى الفياض الشق الأمني، والعامري الجانب العسكري، وبذلك يجري استرضاء الجميع، ويُحفظ «الحشد الشعبي»، ويُعمل على تطويره «من دون أي تدخّل سياسي»، كذلك يُعمَل على احتواء النفوذ الأميركي ــ قدر الإمكان ــ في مؤسسات الدولة، وخصوصاً على الصعيدين الأمني والعسكري. وفي موازاة الحديث عن تلك الرؤية، سرت معلومات نقلها مقربون من تحالف «سائرون» (المدعوم من الصدر) تفيد بأن الصدر لا يرغب في المشاركة بالحكومة الجديدة، بينما يطالبه أعضاء «الهيئة السياسية» للتحالف بالمشاركة. لكن مصادر سياسية مطلعة تؤكد لـ«الأخبار» أن مشاركة الصدر في الحكومة «أمر لا بدّ منه» بمعزل عن عنوانها.