بعدما بدا، لفترة وجيزة، أن نائب رئيس الجمهورية السابق، عادل عبد المهدي، قطع أشواطاً متقدمة في الظفر بمنصب رئاسة الوزراء، تراجعت أكثر فأكثر حظوظ الرجل، في ظلّ تشديد القوى السياسية، لا سيما منها «سائرون» و«الفتح»، على حصر النقاش في المعايير، وتفضيلها النأي عن طرح الأسماء. في هذا الإطار، أكدت مصادر سياسية، لـ«الأخبار»، أن رحى النقاشات تدور حول «تحديد معايير الرئيس ومواصفاته، وفق منظور المرجعية الدينية العليا (آية الله علي السيستاني)». وإذ رجّحت أن لا ينال عبد المهدي رئاسة الوزراء، استبعدت أيضاً احتفاظ «حزب الدعوة» بالحكم، وإن كانت وصفته بـ«الخيار الممكن... لكنه صعب».إزاء ذلك، ترى مصادر أخرى أن ما يجري حالياً هو «شراء للوقت وحرق للأسماء»، متوقعة أن تقود النقاشات نحو خيار من «الصف الثاني»، يحظى بإجماع سياسي، وينال مباركة المرجعية، بعد أن يكون قد حاز «معاييرها وضوابطها». هنا، يبدو أن عبد المهدي، ومستشار الأمن الوطني (سابقاً) فالح الفياض، وقعا ضحية الطرح المبكر للأسماء، وعليه باتا الأبعد عن المنصب، خصوصاً في ظل توقعات بأن تشكيل الحكومة المقبلة سيعود إلى مبدأ «المحاصصة» بين مختلف القوى السياسية، مع بقاء ضرورة «التفاهم» و«التوافق» أساساً في ما يدور من مفاوضات.
وعلى خط مواز للحراك المحلي، تبرز عناصر إقليمية ليس الجار الشمالي للعراق، والذي يسعى إلى تأكيد حضوره في بلاد الرافدين، بعيداً منها. في هذا الإطار، تبدو زيارة خميس الخنجر إلى تركيا ذات دلالة، خصوصاً أنها تأتي بعد انتخاب محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان، والذي اعتُبر «انتصاراً» لحلفاء طهران، وانتكاسة في الوقت نفسه لـ«الإخوان المسلمين» وحلفائهم الإقليميين (تركيا وقطر)، على اعتبار أن الرؤساء المتعاقبين سابقاً على رئاسة البرلمان (إياد السامرائي، محمود المشهداني، وسليم الجبوري) خرجوا جميعهم من عباءة «الإخوان». لكن، في اتجاه معاكس للشق الثاني من ذلك الاستنتاج، جاءت الزيارة التي أجرتها قيادة «تحالف المحور الوطني» برئاسة الخنجر، وعضوية جمال الكربولي وأحمد الجبوري وراكان سعيد الجبوري، إلى أنقرة، ولقائها بالرئيس رجب طيب أردوغان. وأشار بيان صادر عن «المحور» إلى أن «أردوغان أعرب عن دعمه الكامل لاستقرار العراق، ووقوفه على مسافة واحدةٍ من جميع العراقيين»، مضيفاً أن «الخنجر أكد للرئيس التركي أن مرحلة جديدة من الحوار والتفاهم هي التي تنتظرها شعوب المنطقة، لصياغة شراكة حقيقية تجنّب المنطقة ما عاشته سابقاً من صراع».
زيارة الخنجر سبقتها زيارة لنواب تركمان إلى تركيا أول من أمس، اجتمعوا خلالها بأردوغان بحضور وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو. وتفتح كلتا الزيارتين الباب على عودة تركية ــ قطرية أقوى إلى العراق، وتؤكدان سعي أنقرة إلى تعزيز حضورها بشبكة من الحلفاء الذين يمكن من خلالهم مواجهة الرياض وحلفائها، خصوصاً في ظل حديث عن تقارب في وجهات النظر بين أنقرة وطهران في ما يخص الساحة العراقية، دفع بالخنجر إلى التقارب مع هادي العامري ونوري المالكي، والمضي في تسوية سياسية يُراد من خلالها توجيه صفعة إلى الرياض من بوابة «التوافق» الداخلي.
هذه التسوية تكمن خطوتها التالية في اختيار رئيس للجمهورية. «الاتحاد الوطني الكردستاني» مصرّ على خيار برهم صالح، فيما «الحزب الديموقراطي» يرفض هذا الخيار. تناقض هو جزء من صراع أربيل والسليمانية على مناصب الدولة العراقية، والذي لا يبدو معزولاً عن الانتخابات النيابية في إقليم كردستان. ومع أن كلا الطرفين يراهنان على تلك الانتخابات من أجل تأكيد تفوقهما في الشارع الكردي، إلا أن العرف السائد في محاصصة الطرفين قائم على منح السليمانية منصب رئاسة الجمهورية، مقابل حقيبة سيادية في الحكومة الاتحادية لأربيل، على أن تكون رئاسة الإقليم من حصة أربيل (آل برزاني تحديداً). ومع ذلك، فإن النقاش الرئيس يتركز حول النفوذ في كركوك، التي سيفتح التوافق على هوية الحكم فيها الباب على وصول صالح إلى رئاسة الجمهورية، في تطوّر - إن وقع - سيشكّل نقطة تقاطع بين طهران وواشنطن، مع أرجحية للأولى.