كما كان مُتوقّعاً، تبنّى «الاتحاد الوطني الكردستاني»، زعيمَ «تحالف الديمقراطية والعدالة» (سابقاً) برهم صالح، مرشّحاً لمنصب رئاسة الجمهورية، الذي يفترض شغله خلال موعد أقصاه الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. ترشيح لم ينتج من تفاهم بين حزب الزعيم الكردي الراحل جلال طالباني و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود برزاني، بل هو خطوة أحادية من قِبَل الأول تضع إمكانية تفاهم الجانبين على «سلّة» المناصب المُخصصة للأكراد على المحكّ، من دون أن تغلق الباب على إمكانية تفاهمهما. في هذا الوقت، تستمرّ المشاورات داخل «حزب الدعوة الإسلامي» بشأن كيفية التعامل مع المرحلة المقبلة، في ظلّ معلومات عن توجّه «شورى الحزب» لاتخاذ خطوات «دراماتيكية» في حال تعذّر الاتفاق بين الجناحَين المتصارعَين.وأعلن المتحدث باسم «الاتحاد الوطني»، سعدي بيره، عقب اجتماع للمجلس القيادي للحزب في السليمانية، أن المجلس أقرّ «بالأغلبية» ترشيح صالح لمنصب رئاسة الجمهورية. والظاهر أن «الاتحاد الوطني» أراد من وراء ترشيح صالح إحراج شريكه في الثنائية الكردية، على رغم عدم انتهاء المشاورات بينهما، والتي كان يفترض أن تؤدي إلى التوافق على اسم مشترك.
تربط صالح صلات جيدة بالإيرانيين والأميركيين على السواء


هذه الخطوة «الأحادية»، وفق ما وصّفها حزب بارزاني، بدا واضحاً أن الأخير غير راضٍ عنها، بل إن بعض التصريحات الصادرة عن «الديمقراطي» ذهبت إلى حدّ التلميح إلى أن الحزبين سيتوجّهان إلى بغداد بمرشحَين. في هذا الإطار، أعلن المتحدث باسم حزب بارزاني، محمود محمد، أن «حزبنا سيكون له مرشحه»، لافتاً إلى «(أننا) كنا نأمل ونسعى للذهاب بوحدة صف وبرنامج موحد إلى بغداد... إلا أننا لم نتلقّ أي رد، حتى سمعنا اليوم إعلانهم ترشيح برهم صالح من طرف واحد»، مضيفاً «(أننا) نرى أن منصب رئاسة الجمهورية هو من حق حزبنا هذه المرة». وعلى رغم الطابع التصعيدي الذي اتسمت به تصريحات المتحدث، إلا أن قياديين آخرين في الحزب أكدوا أن «الكرد سيذهبون إلى بغداد بمرشح واحد»، وأن «الحوارات مستمرة، ومن الممكن حسم الاتفاقات بأي لحظة»، على حدّ تعبير العضو في «الديمقراطي» فيان دخيل. ولئن كانت دخيل شددت على «(أننا) متمسكون حتى اللحظة بأن يكون منصب رئاسة الجمهورية لنا»، إلا أن مواقفها استبطنت إشارة إلى أن حزبها غير متمسك فعلياً بالمنصب، إنما يشهر ذلك كنوع من أنواع التفاوض بينه وبين «الاتحاد». ولعلّ إجابة المتحدث باسم الأخير على سؤال بشأن مطالبة منافِسه بمنصب محافظ كركوك (التي نال فيها حزب طالباني أغلبية المقاعد البرلمانية) دليل واضح على حالة الشدّ والجذب التي لا تزال قائمة بين الجانبين؛ إذ عدّ سعدي بيره تلك المطالبة «نوعاً من السخرية»، شأنها شأن «مطالبة الاتحاد الوطني (مثلاً) بمنصب محافظ دهوك (حيث أغلبية المقاعد البرلمانية لـ«الديمقراطي»)». على ضوء ما تقدم، وفي حال تمكّن الحزبان الكرديان الرئيسان من فكفكة العقد العالقة بينهما، وتوصّلا إلى تزكية صالح، فإن سيناريو من هذا النوع سيشكل مكسباً إضافياً لحلفاء طهران، بالنظر إلى العلاقة «الطيبة» التي تربط الرجل بهؤلاء. كما أنه يعزّز، في الوقت نفسه، الاتجاه «التسووي» الذي بدأت عملية تركيب الطقم الجديد الحاكم في بغداد تنبني عليه، على اعتبار أن صالح، الذي تولّى رئاسة حكومة الإقليم بين 2001 و2004 وبين 2009 و2011، تربطه صلات جيدة بالأميركيين.
على خط مواز، تتواصل مشاورات «البيت الشيعي» للتوصل إلى مرشح توافقي لرئاسة الوزراء، في ظلّ مساعٍ محمومة يبذلها «الدعوة» لمنع إقصائه من تلك الديناميات. ووفقاً لآخر المعلومات المتداولة، فإن جناح نوري المالكي يحاول الاستفادة من لحظة الضعف التي يعيشها حيدر العبادي من أجل جذبه والقياديين «الدعويين» المحسوبين عليه إلى تحالف «البناء» (الكتلة الأكبر التي أعلنها نوري المالكي وهادي العامري). وفي حال رفض العبادي ومَن معه هذا الخيار، فإن اتجاه المالكي وقيادات «شورى الحزب»، بحسب المعلومات المشار إليها، هو نحو فصل رئيس الوزراء الحالي من «الدعوة» بعد عقد مؤتمر عام للحزب يُعدّ خطوة ضرورية من أجل تحقيق ذلك.