بغداد | إعلان تشكيل «الكتلة الأكبر» بات رهن الساعات المقبلة. اتصالات مكثفة، ووعود وضمانات مقابل الانخراط في واحد من التحالفين المتنافسين: الأول بقيادة نوري المالكي ــ هادي العامري وحلفائهما، والثاني بقيادة مقتدى الصدر ــ حيدر العبادي وحلفائهما أيضاً، مع أرجحية ظفر الأول في إعلانها. نزاع قوى «البيت الشيعي» على الإمساك بالسلطة عزّز تأثير قوى البيتين «السنّي» والكردي في رسم ملامح المشهد المرتقب.ما إن صادقت المحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة قضائية في العراق)، أمس، على نتائج الانتخابات التشريعية (جرت في 12 أيار/ مايو الماضي)، حتى كثفت القوى السياسية ــ على اختلافها ــ حراكها الهادف إلى تشكيل الكتلة النيابية الأكبر، التي ستسمّي بدورها رئيس الوزراء المقبل. فعلياً، بدأ العد العكسي لإحياء العملية السياسية مجدداً، بعد تعطيل دام أكثر من ثلاثة أشهر، خصوصاً أن دستور البلاد منح النواب الفائزين مهلة 90 يوماً لانتخاب رئيس برلمانهم الجديد، وتشكيل الحكومة الاتحادية المقبلة، ومن ثم انتخاب رئيس للجمهورية.
رئيس الوزراء المنتهية ولايته، حيدر العبادي، دعا أمس رئيس الجمهورية فؤاد معصوم إلى المباشرة بدعوة مجلس النواب الجديد إلى الانعقاد «في أقرب وقت ممكن، وضمن السقف الزمني المحدد دستورياً»، واضعاً بذلك رهانه على أن كتلته «النصر» (42 مقعداً) باقية على حالها، وقادرة على تشكيل «الكتلة الأكبر» (165 نائباً) إلى جانب زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر (يدعم «ائتلاف سائرون» المتصدّر بـ54 مقعداً)، وزعيم «تيار الحكمة» عمار الحكيم (19 مقعداً)، وزعيم «ائتلاف الوطنية» إياد علاوي (21 مقعداً)، إضافة إلى قوى من المكوّنين «السنّي» والكردي بمثابة «متمّمات» لبلوغ «عتبة الـ165». لكن ما كان مفاجئاً أمس، البيان الصادر عن مستشار الأمن الوطني (الأمين العام لـ«حركة عطاء») فالح الفياض، الذي هدّد فيه العبادي بالانسحاب من التحالف معه، معلناً «عدم التزامنا بما يتردّد عن دخول ائتلاف النصر في تحالف محدود مع بعض الكتل السياسية». وفي هذا السياق، نقلت وكالة «الأناضول» عن مصدر من داخل تحالف العبادي أن «خلافات حقيقية موجودة داخل النصر»، وأن «حوالى 28 نائباً من كتل سياسية مختلفة ضمن الائتلاف، من بينها عطاء، يعترضون على وضع خط أحمر من مقتدى الصدر على التحالف مع ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي (نال «ائتلاف دولة القانون» 26 مقعداً)». وأضافت أن «العبادي يعتزم التحالف مع الصدر لتشكيل نواة الكتلة الأكبر، إلا أن موقفه ــ بعد بيان الفياض ــ ضعُف، وأثر على حظوظه لتولي منصبه لولاية ثانية».
خطوة الفياض، وما يُحكى في الأروقة السياسية عنها، تعني خسارة العبادي لـ25 نائباً في الحد الأدنى، وبالتالي خسارة تحالفه مع الصدر والحكيم وعلاوي 25 نائباً أيضاً (لصالح تحالف المالكي ــ زعيم «ائتلاف النصر» هادي العامري)، الأمر الذي انعكس سلباً على اجتماع هؤلاء الأربعة (العبادي والصدر والحكيم وعلاوي) أمس، في فندق بابل وسط العاصمة بغداد، في محاولة منهم لإعلان «الكتلة الأكبر»، إذ تحول اللقاء إلى «تداول في الأفكار» لعدم حضور ممثلين عن البيتين «السنّي» والكردي، وإعرابهم عن «تقاربهم» مع تحالف المالكي ــ العامري.
وخرج المجتمعون الأربعة ببيان قالوا فيه إنه «بقرار عراقي وطني نابع من مصلحة بلدنا، واستجابةً لمطالب المواطنين، اتفقنا على تشكيل نواة لتحالف يسعى إلى تشكيل الكتلة البرلمانية التي تتمكن من تشكيل الحكومة، وقد تقرّر الانفتاح على شركائنا الآخرين للمساهمة معاً في تشكيل هذه الكتلة»، مضيفين أن «هذا التحالف العابر للطائفية، والذي يرفض المحاصصة بكل أشكالها، عازم على العمل الجاد لبناء دولة المواطنة، والعدل، والمساواة، وتوفير الحياة الكريمة لجميع أبناء شعبنا، ويسعى إلى المساهمة الجادة والفاعلة لتشكيل حكومة تعمل بجد على تقديم الخدمات والإعمار...». وخلافاً لما أراده العبادي، جاء اجتماع بابل ليثبت محدودية قدرته على الاحتفاظ بمنصبه، إذ حضر كممثل عن 14 نائباً في «النصر»، في وقت يرفض فيه نواب «تيار الحكمة» الانتقال إلى صفوف المعارضة، بعد إخفاقهم في الانضمام إلى «الكتلة الأكبر». لقاء أمس انتهى من دون الإدلاء بأي تصريحات صحافية من قبل المجتمعين، إلا أن مصادر «الأخبار» أكدت اتفاقهم على «تشكيل لجان تفاوضية تشارك في إعلان الكتلة الأكبر غداً الإثنين».
وتضيف المعلومات أن تلك اللجان ستبحث خلال الساعات المقبلة إمكانية «الالتحاق في الفضاء الوطني»، والانضمام إلى «الكتلة الأكبر» التي شكلها تحالف المالكي ــ العامري، بعدما أُجّل الإعلان عنها لـ«إثبات عجز تحالف الأربعة عن إعلان الكتلة بمعزل عنا» وفق مصادر «الفتح»، التي تشير في حديثها إلى «الأخبار» إلى أن «الكتلة تضم كلّاً من الفتح، دولة القانون، حركة إرادة (بزعامة حنان الفتلاوي)، كفاءات (بزعامة هيثم الجبوري)، وعدد من المنشقين عن العبادي، إلى جانب المحور الوطني (قوى البيت السنّي) والحزبين الكرديين (الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديموقراطي)». وتزامن ذلك مع «تغريدة» لمدير المكتب الإعلامي للمالكي هشام الركابي، كشف فيها أن «يوم الإثنين سيتم الإعلان عن الكتلة الأكبر... والاتصالات بين القانون، والفتح، والحزبين الكرديين، والمحور الوطني قائمة».