كحال الأيام الأخيرة قبيل إجراء الانتخابات التشريعية، حيث سرت الإشاعات بين مختلف شرائح الشارع العراقي، تعود اليوم هذه الموجة إلى تصدّر المشهد، مع اقتراب إعلان «الكتلة الأكبر»، وتكثيف الحراك السياسي الموازي لها، والذي لم يستسغ مناصرون لـ«الحشد الشعبي» بعضه. وإزاء شارع غاضب، وجدت «المرجعية» نفسها أمام تحدي «تخفيف الاحتقان»، خوفاً من انفجار لسبب «لا وجه حق له»، فحذّرت من الإشاعات، وشددت على ضرورة تقصّي المعلومات من مصادرها.في موازاة الحراك المكثّف للقوى السياسية المختلفة على طريق تشكيل الكتلة النيابية الأكبر، وعودة الشارع العراقي إلى الغرق في بحور الإشاعات، كان لافتاً أمس خطاب المرجعية الدينية (آية الله علي السيستاني)، والذي دعا إلى «الارتقاء بالمجتمع علمياً»، مُحذِّراً من «تفشي الجهل». وتطرّق ممثل «المرجعية»، أحمد الصافي، إلى «انجرار» الشارع في شكل واسع ــ وشبه دائم ــ وراء الإشاعات، مشدداً على ضرورة «استقاء المعلومات... من مصادر موثوق بها في كل زمان ومكان». ولفت إلى أن «الجهل يشجع عليه من لا يريد خيراً»، معتبراً أن «البعض من الجيل الحالي في العراق يعتمد على ثقافات لا يعلم منشأها في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى ضوئها يتصرف بها، وينقلها للآخرين، وهذا ليس شيئاً من الحكمة».
استقبل نوري المالكي، أسامة النجيفي، بحضور فالح الفياض


كلام «المرجعية»، وإن كان محدوداً في إطار «النصيحة» لمختلف شرائح المجتمع، إلا أن سياقه الزماني يرتبط بالإشاعات التي اجتاحت شبكات التواصل الاجتماعي طوال الساعات الماضية، وأسفرت عن «حرب» إلكترونية بين الناشطين، واتهامات متبادلة بالتخوين و«هدر دماء الشهداء». ولئن أُخمدت سريعاً إشاعة إقالة رئيس الوزراء حيدر العبادي، لمستشار الأمن الوطني فالح الفياض، من موقعه، بعدما رُبطت بالحديث عن ترشيح الأخير لمنصب رئاسة الوزراء، إلا أن تسريب صورة اجتماع ضمّ زعيم «ائتلاف الفتح» هادي العامري، ونائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي، والأمين العام لـ«المشروع العربي» خميس الخنجر، أشعل غضب ناشطين مؤيدين لـ«الحشد الشعبي»، ما دفع بقيادة «الفتح» إلى توضيح ملابسات الأمر. وذكر البيان أن «عدداً من وسائل التواصل الاجتماعي تداولت صورة لقاء الحاج العامري مع أسامة النجيفي وأعضاء كتلة القرار»، لافتاً إلى أن «البعض تهجّم بصورة عنيفة جداً، حتى وصل الأمر إلى أن يصف اللقاء بالخيانة لدماء الشهداء، والتضحيات الكبيرة والجليلة التي قدمها أبناء الحشد الشعبي». وفيما اعتبر البيان أن اللقاء «لا يعني التنازل عن المبادئ والقيم»، فقد أكد أنه «إذا رجعنا لنشكل حكومة محاصصة كالسابق، نعاهدكم بأن لا نشكلها إلا بعد الاتفاق على برنامج معلن متفق عليه مع الكتل السياسية، ثم نختار الشخصيات المناسبة لتنفيذ هذا البرنامج»، مضيفاً أن «الفتح إذا تنازل عن إدارة المناطق ذات العيش المشترك إلى مكون محدد، أو رجع وقبل حصة 17‎%‎ التي كانت تعطى من أجل منصب رئيس الوزراء... فحاسبونا»، ليختم البيان بالقول إن «برنامج الفتح لإدارة الحكومة المقبلة، والذي سيعلن قريباً، فيه خطة إصلاح حقيقية وبرنامج خدمي واضح ومحدّد، بأوقات زمنية وآلية معالجة البطالة، وتوفير فرص العمل، وكيفية النهوض بالواقع الاقتصادي والتجاري والصحي والزراعي».
ويأتي لقاء العامري ــ النجيفي في إطار محاولات الأول، ومعه زعيم «ائتلاف دولة القانون» نوري المالكي، تذليل العقبات المتبقية أمام تشكيل «الكتلة الأكبر»، وسط ترجيحات بانضمام النجيفي إليها، وعدد آخر من القوى المحسوبة على «البيت السني». وتشي خطوة استقبال المالكي للنجيفي وفالح الفياض بذلك، خصوصاً أن الأخير بات مطروحاً بقوة لتولي منصب رئاسة الحكومة المقبلة. وأكد مكتب المالكي الإعلامي أنه «جرى خلال اللقاء بحث مستقبل العملية السياسية، والحوارات الجارية بين القوى الوطنية، لا سيما مع قرب المصادقة على نتائج الانتخابات»، حيث تم التطرق في الاجتماع إلى «ضرورة الانتقال السريع للبدء في تنفيذ الخطوات الدستورية المتعلقة بإعلان تشكيل الكتلة الأكبر ضمن الفضاء الوطني، والذي يضم جميع القوى الوطنية».
على خط مواز، هدّد المتظاهرون في محافظة البصرة، والمستمرون في حراكهم للشهر الثاني على التوالي، باللجوء إلى «العصيان المدني»، إذا استمرت القوى الأمنية في «قمع» الاحتجاجات، وتوقيف الناشطين المطالبين بتحسين الخدمات العامة، وتوفير فرص العمل، ومحاربة الفساد، وذلك بعدما أوقفت القوى الأمنية، قبل يومين، أكثر من 20 متظاهراً في المحافظة، فيما قتل متظاهر بعد «تعرّضه للضرب». أما في العاصمة بغداد، فقد احتشد مئات المتظاهرين، أمس، في ساحة التحرير، مطالبين بمحاسبة الفاسدين، والقضاء على البطالة، وتحسين أوضاع المواطنين، في ظل إجراءات مشددة فرضتها القوى الأمنية في محيط تلك الساحة.