بغداد | جُملةٌ من الدوافع والأسباب شكّلت محرّكاً لتظاهرات المحافظات الجنوبية العراقية. الماء والكهرباء أبرزها. الفريق السياسي الحاكم بشكلٍ عام، والحكومة الاتحادية برئاسة حيدر العبادي، بشكلٍ خاص، عاجزان عن تلبية المطالب الشعبية. في 6 تموز الجاري، أوقفت إيران تصدير الكهرباء إلى العراق. بعد يومين انطلقت التظاهرات في محافظة البصرة والمحافظات الأخرى، تندّد بتردّي الواقع الخدمي هناك. حاولت بغداد إقناع طهران بضرورة العزوف عن قرارها، إلا أنها تمسّكت به.وفي هذا السياق، أكّد وزير الطاقة الإيراني رضا أردكانيان، أن «إيقاف الكهرباء عن العراق كان وفق الاتفاقية المبرمة بين البلدين»، مرجعاً ذلك إلى «سد حاجات بلاده الضرورية». وقال في تصريحٍ صحافي إن «كل عقود الطاقة والاتفاقيات تحتوي على أطرٍ ومتطلبات، بما في ذلك أن الدولة المصدرة عندما تكون بحاجة شديدة، عليها أولاً أن تلبي حاجاتها الداخلية»، موضحاً أنه على اتصالٍ دائم بالجانب العراقي، ووزير الكهرباء قاسم الفهداوي، الذي «زارنا أخيراً، واطلع على حاجاتنا للكهرباء».
«الصفعة» التي تلقتها بغداد، دفعتها مباشرةً للتوجّه إلى الرياض، إذ يتوجّه اليوم وفدٌ وزاريٌّ إلى السعودية، للبحث في إمكان التزوّد بالكهرباء. وقال وزير التخطيط سلمان الجميلي، في بيان، إنه سيرأس وفداً يتوجه إلى مدينة جدة السعودية، ويضم وزراء النفط جبار لعيبي، والكهرباء، والنقل كاظم الحمامي، موضحاً أن «الوفد العراقي، سيبحث مع الجانب السعودي عدداً من القضايا والملفات المهمة في إطار عمل مجلس التنسيق العراقي ــ السعودي». وبيّن أن «ملف الطاقة الذي يشمل الكهرباء والوقود، سيكون أحد أهم الملفات التي سيتم بحثها»، في وقتٍ نقلت وكالة «الأناضول» عن مصدرٍ مسؤول في وزارة الكهرباء، قوله إن «العراق سيطلب من السعودية، تزويده بألف ميغاواط من الكهرباء، لسد النقص الكبير الذي خلّفه توقف الخط الإيراني»، مضيفاً أن «هذه الخطوة، تأتي من أجل تزويد المحافظات الجنوبية، بساعات كهرباء أكثر لاحتواء الغضب الشعبي».
يتوجّه اليوم وفدٌ وزاري إلى السعودية للبحث في إمكان التزوّد بالكهرباء


وإن حيطت الخطوة العراقية الأخيرة بشيءٍ من التعتيم، بمعزلٍ عن الإعلان الرسمي بالتوجّه إلى السعودية، فإن المزاج الحكومي يشي بانزعاجٍ من التعاطي الإيراني في لحظةٍ حرجةٍ تمرُّ بها العملية السياسية في البلاد، مع افتقاد «الرعاة» الإقليميين لتلك العملية ــ على اختلاف توجهاتهم ــ أي قراءةٍ دقيقةٍ لمجريات الأحداث، وإمكان تطوّرها في الأيام المقبلة، في وقتٍ يرجّح مراقبون أن يبدأ «الحراك الجنوبي» شيئاً فشيئاً بالانحسار؛ وعليه، هل ستشهد البلاد حراكاً مشابهاً في المرحلة المقبلة؟ وهو سؤال مطروحٌ، إلا أن البحث يبدأ عن المحرّك، فالمستثمر، فالهدف «المبطّن»، وهو أمرٌ مرهونٌ بالأيّام المقبلة. ما هو واضحٌ حتى الآن، أن بغداد ستحافظ على علاقةٍ متوازنةً بين طهران والرياض، فالمرحلة المقبلة (تشكيل الحكومة وتسمية الرئيس) تفرض العمل على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب... بل حفاظٌ على التوازنات»، ليس من المنظور العراقي بل من المنظور الإقليمي. ما يعني أن اجتياز الأزمة الحالية، وحسر تداعياتها قدر المستطاع، يصبُّ في مصلحة «جيران العراق»، على أن تشكّل قراءة أسبابها برنامج عمل لطهران والرياض في المنطقة الجنوبية، حيث يتنافس الجانبان على استقطاب أكبر شريحةٍ ممكنةٍ لصفّه، بعيداً من الموقف السياسي في الوقت الحالي ــ وإن كان هو الهدف، بل لتأسيس قاعدةٍ للتواصل مع «الجيران»، والتأكيد على جذور العراق لدى الطرفين.
ويزامن الإعلان عن التوجّه إلى السعودية مع إعلان وزارة النفط عن «توفير كميات كبيرة من مادة وقود الكاز، لمحطات الطاقة الكهربائية»، بهدف تغطية جزء كبير من حاجتها من الوقود، وزيادة ساعات تجهيز الطاقة للمواطنين. وأكّد بيان الوزارة، «امتلاء الخزانات والمستودعات الخاصّة بوزارة الكهرباء بهذه المادة»، مشدّداً على «استمرار خطط تجهيز محطات الطاقة الكهربائية بوقود الغاز الجاف، والنفط الأسود، والنفط الخام وفق الكميات المقررة».
وفيما شهد المدخل الرئيسي لحقل الزبير النفطي، غرب محافظة البصرة، تظاهرةً لعددٍ من المواطنين، يواصل مسؤولو قطاع النفط تطمين «الجميع» أن الاحتجاجات «لم تؤثّر في عمليات الإنتاج أو التصدير»، في حين تعهّد الجيش العراقي بعدم إطلاق الرصاص الحي خلال الاحتجاجات بأوامر القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي. وقال الناطق باسم «قيادة العمليات المشتركة» يحيى رسول، إن «القوات ستتعامل بحكمة مع المتظاهرين وعدم إطلاق الرصاص الحي»، متوعّداً بعدم التهاون مع من «يعبث بأمن المتظاهرين ومؤسسات الدولة». وأشار إلى وجود بعض «المندسين» في التظاهرات السلمية، وهدفهم تغيير مسار التظاهرات إلى مسار «غير سلمي».