في ظلّ تصاعد الجدل على الساحة العراقية حول حدوث عمليات تزوير في الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في الـ12 من الشهر الجاري، أعلنت رئاسة الحكومة تشكيل لجنة للتحقيق في تلك المزاعم، في خطوة يبدو أنها تستهدف امتصاص الغضب المتصاعد لدى بعض القوى السياسية، خصوصاً منها الفاعلة في محافظة كركوك، على النتائج المخيّبة للآمال التي آل إليها الاستحقاق. وفي موازاة إعلان تشكيل اللجنة المذكورة، تواصل اشتغال أطراف أخرى على تزخيم الأجواء المُشكّكة في العملية الانتخابية، في ما يظهر أنه محاولة للضغط على مسار المشاورات الجارية لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، أكثر منه سعياً جدياً إلى إلغاء النتائج، بالنظر إلى خطورة مخطط من هذا النوع، خصوصاً في ظلّ التهديد الأمني المتواصل.تهديد تجلّت آخر حلقاته أمس، في الهجوم الانتحاري الذي استهدف منطقة الشعلة في بغداد، وأدى إلى مقتل ما لا يقلّ عن 4 أشخاص وإصابة 15 آخرين بجروح. وبحسب بيان صادر عن مركز الإعلام الأمني، فإن الانتحاري فجّر سترته الناسفة عند مدخل منتزه الصقلاوية إثر محاصرته من القوات الأمنية. وفي محافظة كركوك (شمال)، أفيد عن تفجير 8 انتحاريين من التنظيم أنفسهم، أثناء محاصرة القوات الأمنية لهم في قرية الجعفرية التابعة لناحية الرياض، ما أسفر عن جرح 4 من عناصر الأمن. وكانت هجمات عدة استهدفت محافظة كركوك خلال الأشهر القليلة الماضية عقب إعلان النصر على «داعش»، قارِعةً جرس الإنذار في شأن الأوضاع الأمنية في المحافظة، والتي لا تفتأ متوترة منذ إعلان نتائج الانتخابات، مع استمرار تظاهرات المكونين العربي والتركماني (خصوصاً) الرافضة للنتائج.
حالة التوتر هذه، مصحوبة باحتجاجات أطراف أخرى (كأحزاب المعارضة الكردية، وائتلاف «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، وائتلاف «الوطنية» بزعامة إياد علاوي، وشخصيات وقوى أخرى)، تستثير تحذيرات من مغبّة أن يؤدي الجدل المحتدم على التزوير والمخالفات إلى انعكاسات أمنية، يمكّن «داعش» من الإفادة منها للعودة إلى الساحة. وتلافياً لاحتمالات من هذا النوع، وفي مسعى لتخفيف الاحتقان على ما يبدو، قرر مجلس الوزراء، أمس، عقب جلسة استثنائية، تشكيل لجنة عليا برئاسة رئيس ديوان الرقابة المالية بهدف النظر في الخروقات والإشكالات التي تخلّلت الانتخابات. ومنح المجلس اللجنة «حق الاستعانة بأي جهة تراها مناسبة»، و«حق الإطلاع على جميع الوثائق التي تخصّ العملية الانتخابية داخل المفوضية (العليا المستقلة للانتخابات) وخارجها»، مطالِباً إياها بـ«تقديم توصياتها إلى مجلس الوزراء ومجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية العليا (بهدف) اتخاذ الإجراءات المناسبة».
تحذيرات من انعكاسات أمنية للاحتجاجات على نتائج الانتخابات


وعلى رغم إقرار المجلس بأن الأجهزة الانتخابية الإلكترونية لم تكن محصّنة من الاختراق، إلا أنه من المستبعد أن يؤدي عمل اللجنة المشكلة حديثاً إلى نسف نتائج الانتخابات، أو إلى تغييرات جوهرية فيها. وعليه، فمن الممكن أن يتمّ في نهاية هذا المسار إقرار توصيات تسترضي بعض الشخصيات والقوى التي لم تسرّها نتائج التصويت. ولعلّ ذلك، مضافاً إليه السعي إلى تثبيت قدم على طريق تشكيل الحكومة العتيدة تحت طائلة الإلحاح المتواصل على «لا شرعية» الانتخابات، هو ما تتطلّع إليه أطراف عدة من وراء مواقفها وتحركاتها المطالِبة بإعادة النظر في النتائج. وفي الإطار المتقدم، تأتي الدعوات المتكررة إلى عقد جلسة طارئة للبرلمان المنتهية ولايته بهدف بحث دعاوى تزوير الانتخابات. وهي دعوات لم يتمكن أصحابها إلى الآن من ترجمتها عملياً، بسبب عدم اكتمال النصاب المطلوب لإقامة جلسة كهذه، والذي هو النصف زائداً واحداً.
وما يؤكد أن القوى السياسية لا تنتظر تبدلات مفصلية في النتائج التي ستصادق عليها أخيراً المحكمة الاتحادية العليا، هو استمرار مسار المشاورات الهادفة إلى تشكيل الكتلة الأكبر، بمشاركة شخصيات ومكونات معترِضة على النتائج الحالية. وفي آخر تطورات هذا المسار، أفيد أمس عن اجتماع مطوّل جمع زعيم «ائتلاف دولة القانون»، نوري المالكي، بزعيم «تحالف الفتح»، هادي العامري، إلى جانب وفدَي الحزبين الكرديين الرئيسين (الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني) اللذين يزوران بغداد. وفي حال تمكّن هؤلاء من إبرام اتفاق في ما بينهم، فسيكون عليهم الحصول على 48 صوتاً إضافياً بهدف بلوغ عديد الكتلة الأكبر (165)، وهنا يتقدم الرهان على انضمام شخصيات وقوى من «تحالف النصر» الذي يقوده رئيس الوزراء حيدر العبادي، وأخرى «سنية» إلى ذلك الائتلاف المحتمل. في المقابل، واصل العبادي لقاءاته التشاورية في الإطار نفسه، مستقبِلاً نائب رئيس الجمهورية، أسامة النجيفي، ورئيس «حراك الجيل الجديد» الكردي، ساشوار عبد الواحد، فيما بعث زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، بإشارات تفاؤلية إلى مناصِريه في شأن تشكيل الحكومة، من دون أن يغفل احتمال تحوله إلى صفوف المعارضة وهو ما برز في قوله إنه ستكون هناك «معارضة بناءة أبية سياسية سلمية».