لا يزال الغموض يكتنف موقف الحكومة العراقية مما يدور في قضاء سنجار، شماليّ البلاد، في وقت تنبئ فيه معظم المؤشرات بأن بغداد تحاول إمساك العصا من وسطها، مراعاةً لحسابات انتخابية من جهة، وأخذاً في الاعتبار متطلبات تعاملها الجديد مع الأكراد من جهة أخرى. وفيما تبدو التصريحات والخطوات التركية، المتراوحة إلى الآن بين التهديد بدخول سنجار والضربات الجوية المترافقة مع أنباء عن توغل عسكري في أطراف القضاء، محاولة لوضع السلطات الاتحادية تحت ضغط متواصل بهدف اختبار ردة فعلها، يواصل مسلّحو «حزب العمال» مساعيهم نحو «نزع الذرائع» من أنقرة، على الرغم من أن تطورات الساعات الماضية تفيد بأن السلطات التركية لا تعير أهمية لإعلان المسلحين الأكراد انسحابهم من سنجار.وتعهّد رئيس الوزراء، حيدر العبادي، أمس، بمنع المقاتلين الأكراد المتمركزين شماليّ العراق من شنّ هجمات على تركيا. ونقل مكتب العبادي عنه قوله، خلال مباحثات هاتفية مع نظيره التركي بن علي يلدريم، إن القوات المسلحة لديها تعليمات بمنع «أي مقاتلين أجانب» من مهاجمة الأراضي التركية عبر الحدود. تعهّد يشي بأن حكومة العبادي لا تمانع الرغبة التركية في «اتخاذ التدابير اللازمة ضد تنظيم (بي كا كا) الإرهابي في إطار علاقات الجوار» وفق ما جاء في بيان صادر أمس عن المكتب الإعلامي لرئاسة الوزراء التركية، لكنها لا تريد الإقدام على عملية عسكرية في «توقيت خاطئ»، قد تنعكس سلباً على تكتيكات العبادي الانتخابية. من هنا، تأتي محاولات بغداد تهدئة الهواجس التركية، بالتزامن مع رسائل «مطمئِنة» إلى الداخل العراقي، الذي بدأت تتعالى فيه الأصوات الرافضة للتهديدات التركية.
يعيد الجدل بشأن سنجار الانقسام الكردي إلى الواجهة


هذا ما أوحت به، أيضاً، جولة رئيس أركان الجيش العراقي، عثمان الغانمي، أمس، برفقة عدد من كبار القادة العسكريين، في قضاء سنجار، حيث «تفقد قطعات الفرقة الـ15 (في الجيش)، والحشد الأيزيدي، وشريط الحدود بين العراق وتركيا»، بحسب ما جاء في بيان صادر عن وزارة الدفاع. وبدت تلك الجولة، التي سبقها وصول قوات من الفرقة 15 إلى سنجار للتمركز في المواقع التي قيل إن مسلحي «حزب العمال» انسحبوا منها، أشبه برسالة تأكيد على أن «الحدود العراقية مسيطَر عليها حالياً من قبل قواتنا» - وفق حديث العبادي إلى يلدريم -، سواءً باتجاه تركيا التي طمأنت أمس إلى أنها «لن تنفذ أي عمليات عسكرية من دون موافقة الحكومة العراقية»، أو باتجاه الداخل الذي تسارعت فيه الأنباء عن تعزيزات تركية تمّ الدفع بها أخيراً إلى سنجار، وهو ما نفته السلطات العراقية. لكن هذا النفي لم يفلح في تسكين مخاوف برلمانيين عراقيين تقدموا، أمس، بطلب إلى رئيس مجلس النواب، سليم الجبوري، لإدراج التهديدات التركية بشأن سنجار على جدول أعمال الجلسة التي انعقدت الثلاثاء، ليقابَل طلبهم بالرفض. رفض رأى فيه بعض أعضاء المجلس محاولة من قبل الجبوري لممالأة تركيا التي تربطه بها مصالح، «خصوصاً مع قرب إجراء الانتخابات في أيار المقبل».
وإذ نفى المتحدث باسم الحكومة العراقية، سعد الحديثي، علمه بوصول أي مسؤول تركي إلى بغداد للتباحث بشأن سنجار (بعدما كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أعلن أن مدير المخابرات سيلتقي مسؤولاً عراقياً لإجراء مباحثات بهذا الشأن)، أكد مصدر حكومي، لـ«الأخبار»، أن «شخصية عراقية التقت (فعلاً) مدير الاستخبارات التركية»، نافياً أن تكون هذه الشخصية هي المتحدث السابق باسم الحكومة، علي الدباغ، وفق ما أفادت به بعض المعلومات، رافضاً في الوقت نفسه الإفصاح عما جرى خلال اللقاء. هذا التضارب، وما سبقت الإشارة إليه من رسائل متعددة الاتجاهات، يعكس إرباكاً لدى الحكومة العراقية، التي تجد نفسها، بحسب قيادي في حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» تحدّث إلى «الأخبار»، «في حرج شديد في ظل الانتخابات؛ إذ لا يمكنها التصعيد مع تركيا ولا مع حزب العمال». وأكد القيادي المذكور أن «تركيا زادت خلال اليومين الماضيين وجودها العسكري في بعشيقة ومناطق دهوك»، متوقعاً أن «يكون للبرلمان موقف لإجبار الحكومة على إصدار موقف أكثر تشدداً».
على مقلب «حزب العمال» بقي الإصرار على صحة رواية انسحاب مقاتلي الحزب من سنجار، على الرغم من التشكيك المتواصل فيها، واعتبارها «لعبة سياسية لتفادي ضربة تركية». وقال مصدر في الحزب، لـ«الأخبار»، «(إننا) أعلنا صراحة ورسمياً انسحابنا من سنجار»، مستدركاً بأن «تركيا تريد دائماً اختلاق الذرائع من أجل الاعتداء على سيادة الدول وخلق الأزمات»، متهماً إياها، كذلك، بأنها «تحاول البحث عن حجج جديدة من أجل احتلال كركوك والموصل». وشدد المصدر على أن «أي اعتداء على سنجار هو اعتداء على سيادة العراق»، نافياً علمه بوجود «اتفاقات سرية بين حزب بارزاني (الحزب الديمقراطي الكردستاني) وتركيا»، لكنه نبّه إلى أن «الأجدر بحزب بارزاني إقامة علاقات جيدة مع بغداد وليس أنقرة»، علماً أن موقف «الديمقراطي الكردستاني» بزعامة بارزاني بدا مائلاً نحو تركيا، خلافاً لموقف «الاتحاد الكردستاني» الذي ظهر متعاطفاً مع «حزب العمال»، ما يعيد إلى الواجهة حقيقة الانقسام الكردي، الذي سيكون على كل من أنقرة وبغداد أخذه بالاعتبار في أي خطوة مقبلة.



واشنطن قلقة من «تدخّل إيران»: نريد حكومة «معتدلة»
أعرب السفير الأميركي لدى العراق دوغلاس سيليمان، أمس، عن قلق بلاده ممّا سمّاه «التدخلات الإيرانية التي تضعف السيادة العراقية»، معلناً اعتقاده بأن «إيران تستعمل العراق ضمن مخططاتها لإضعاف الحكومات غير الصديقة لها». وقال سيليمان، في مؤتمر صحافي عقده في مقرّ السفارة في بغداد، «(إننا) لا نساند أيّ حزب أو شخص بعينه... نودّ أن نرى حكومة معتدلة غير طائفية تخدم حاجات العراق من مختلف مكوناته». ورأى أن «هزيمة داعش كخلافة مزعومة تنتشر في العراق لا يعني أن الأفكار والتمرد الذي تريد خلقه قد انتهى»، مضيفاً «(أننا) نعمل عن كثب مع القوات العراقية لمساعدتها في المرحلة القادمة على إلحاق الهزيمة بالتنظيم على الأمد الطويل»، معتبراً أن ذلك «لا يتطلب فقط عمليات عسكرية، بل عمليات مصالحة اجتماعية وسياسية، والأهم تنمية اقتصادية». وفي الشأن الانتخابي، قدّر سيليمان أن «من الصعب جداً التلاعب والتزوير في الانتخابات، لأن النظام الجديد المستعمل على درجة عالية من الدقة، ولا يسمح بأي عملية تلاعب».
(الأخبار)