على مدى الأيام الماضية، شغلت الزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى العاصمة العراقية بغداد، الحيّز الأكبر من اهتمام العراقيين والسعوديين على حدٍّ سواء. «شغلة البال الجديدة»، بتعبير مصدرٍ مطّلع، تخطّت حدود مواقع التواصل الاجتماعي، و«هجمات التسقيط القاسية» التي عادةً ما تسبق أيّ استحقاقٍ انتخابي، فوصل صداها «المقلق» إلى طهران وبيروت، بوصفها «صفعة سياسية» لخصوم الرياض المؤثرين في القرار العراقي، تريد من ورائها «المملكة» التأكيد على دورها الكبير والفاعل في «بلاد الرافدين» في المرحلة المقبلة. بغداد نفت الزيارة، وذلك على لسان المتحدث باسم الحكومة الاتحادية سعد الحديثي، الذي أكّد أن بلاده «منفتحة على جميع الدول الشقيقة والصديقة، وتعمل على تعزيز علاقاتها وفق المصالح المشتركة»، لافتاً إلى أن «السياسة التي تتبعها الحكومة الحالية برئاسة حيدر العبادي، أثبتت نجاحها في عودة العراق إلى المجتمع الدولي وجعله قوّةً فاعلة في المنطقة». وتابع الحديثي، في تصريحٍ صحافي، أن «زيارةً من قِبل المسؤولين في هذه الدول إلى العراق ستعلن عنها الحكومة العراقية بصورةٍ رسمية، ولا ينبغي الاهتمام بشائعات بهذا الصدد أو التعليق عليها».
وبمعزلٍ عن دوافع النفي، الذي جاء متأخراً نوعاً ما، فإن مصادر مطّلعة نقلت، في حديثها إلى «الأخبار»، عن العبادي استغرابه الإشاعات التي أثيرت حول زيارة ابن سلمان، والحملة الإعلامية التي رافقت «الفبركات»، إذ أكّد العبادي، أمام عددٍ من زوّاره، «خلوّ مفكرته من أي موعدٍ مع ابن سلمان، حتى موعد إجراء الانتخابات النيابية»، وأن ما أثير عن زيارة «مرتقبةٍ» مؤخّراً لا يمت إلى الحقيقة بصلة. فالحديث عن تأجيل الزيارة حتى إجراء الانتخابات في أيّار المقبل أمرٌ غير واردٍ إطلاقاً، استناداً إلى أن «قدوم ابن سلمان لم يكن وارداً، فكيف بالحديث عن تأجيله؟»، يقول أحد الزوّار. لم تطرح الحكومة ولا الجانب السعودي زيارة ابن سلمان على المرجعية
هذا «الاستغراب» لا يعني رفض بغداد زيارة ابن سلمان، فـ«حكومتنا أكثر الحكومات العراقية شفافية»، بتعبير مصدرٍ حكومي بارز، يشير في حديثه إلى «الأخبار» إلى أن العبادي وفريقه «يخبرون الناس بما سيفعلونه». ويشدد المصدر على أن الحكومة العراقية «لا تخجل من أي علاقة مع الجوار العربي» في إشارة إلى إعادة تطبيع العلاقات بين بغداد والرياض. وإذ لا يكشف سرّاً بقوله إن «الحديث عن زيارة ابن سلمان أدّى إلى بروز مخاوف إيران» إزاء الهجمة السعودية «الناعمة» على العراق، خاصّةً أن الرياض طرحت على بغداد «مساعدات مالية، واستثمارات ضخمة قادرة على إعادة إنعاش الاقتصاد العراقي»، يختم حديثه بالقول إننا «أبلغنا الأشقاء العرب بعلاقاتنا مع إيران»، في تلميحٍ إلى أن العبادي ــ الآمل بالبقاء في منصبه لولايةٍ ثانية ــ يسعى إلى تكريس علاقات متوازنة ومتوازية على خطَّي الرياض وطهران

موقف المرجعية

الضباب الذي أحاط الموقف الحكومي من الزيارة، سبقه حديث، اجتاح منصات التواصل الاجتماعي، عن رفض المرجعية الدينية العليا (آية الله علي السيستاني) استقبال ابن سلمان. حديث يُلمّح مصدر مقرّب من المرجعية، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أنه لا يتجاوز حدود كونه إشاعة، على الرغم من «جواز الظن» بإمكانية حدوث الزيارة. وبحسب رواية «رفض» المرجعية لقاء ابن سلمان، فإن مكتب الأخير تواصل مع مكتب السيستاني في لندن، والذي أكّد بدوره «رفض المرجع الأعلى استقبال قاتل أطفال اليمن». إلا أن المصدر المقرّب من المرجعية يؤكد أن «الموضوع لم يطرح إطلاقاً من قِبل الحكومة العراقية، ولا من الجانب السعودي، على المرجعية».
ورغم كل أجواء الضبابية، بكلمة «مراوغة» يفسّر مصدر دبلوماسي أسباب النفي الحكومي أمس، وذلك «حتى لا يقال إن الموقف جاء نتيجة الضغط الإيراني». ويؤكّد المصدر أن «السعوديين طلبوا تأجيل الزيارة، لكنها ستحصل خلال مدّةٍ أقصاها شهر واحد». ويضيف، في حديثه إلى «الأخبار»، أن البرنامج المتفق عليه سيتضمن، إضافةً إلى لقائه بالمسؤولين، افتتاح مبنى السفارة السعودية في بغداد، ومبنى القنصلية في النجف، وزيارة مدينة البصرة الجنوبية، حيث سيفتتح هناك عدّة مشاريع، على أن ينطلق منها إلى منفذ عرعر الحدودي ليقوم بافتتاحه. ولترجمة «عطايا خادم الحرمين الشريفين» (سلمان بن عبد العزيز)، سيضع ابن سلمان الحجر الأساس لبناء ملعبٍ دولي في العاصمة، إلى جانب زيارة المراقد المقدّسة في النجف وكربلاء.
باختصار «هي زيارةٌ لكسب ودّ الشيعة» يعلّق المصدر، مؤكّداً أنها «ضربة قوية لإيران على أبواب الانتخابات النيابية». فطهران تسعى إلى أن يكون الرئيس المقبل «موالياً لها»، في الوقت الذي تهدف فيه الرياض إلى تفتيت الحاضنة الشعبية المؤيدة لحلفاء إيران في العراق. وعليه، تستهدف الزيارة التأكيد على «العمق العربي لشيعة العراق» من جهة، وتوصيل رسالة سعودية بأن الخلاف والتوتر المذهبي مردّهما إلى «الحضور الإيراني السياسي والعسكري، وليس الفكر الشيعي الثقافي ــ العقائدي».