يهدد «خضوع الحكومة اليونانية المذل» لشروط الدائنين الأخيرة مستقبل الحكومة والحزب الحاكم، الذي فشل رئيسه بتوفير حد أدنى من أصوات النواب من حزبه لمصلحة «مذكرة التفاهم» مع الدائنين، ما سيفرض عليه طرح الثقة في حكومته أمام البرلمان.ورغم التأكيدات المتكررة لصندوق النقد الدولي حتى، فضلاً عن خبراء اقتصاديين كثر، أن لا إمكانية لسداد اليونان لديونها دون شطب جزء مهم منها، أوصدت أوروبا الباب دون هذا الخيار.

وجاءت «المكافأة» الأوروبية هذه بعد ساعات على إقرار البرلمان «مذكرة التفاهم» مع الدائنين، يوم الجمعة الماضي، التي وصفها وزير المالية اليوناني السابق، يانيس فاروفاكيس، بأنها وثيقة «خضوع مذل» من جانب الحكومة، و«تخلٍّ كامل عن السيادة»، حسبما نقلت عنه صحيفة «التلغراف» يوم أمس. وقال وزير الطاقة اليوناني، بانوس سكورليتيس، إن تقرير النواب ما إذا كانوا سيستمرون بدعم هذه الحكومة، بعد «الجرح العميق» الذي طاول الائتلاف الحاكم، هو أمر بديهي؛ فتخلي الحكومة عن وعود انتخابية أساسية، وأبرزها مناهضة سياسات «التشقف» المفروضة أوروبياً، أدت إلى انقسام الحزب الحاكم، «سيريزا»، الذي يرأسه أليكسيس تسيبراس، رئيس الحكومة. ففي الجلسة البرلمانية لإقرار «مذكرة التفاهم»، يوم الجمعة الماضي، فشل تسيبراس بتأمين تصويت 120 من نواب حزبه للمذكرة، عاجزاً بالتالي عن بلوغ العتبة الدستورية التي تضمن له استمرار قيادته للحكومة.

تطبيق برنامج التقشف شرطه الحصول على تفويض شعبي


ورأى سكورليتيس أن رفض الجناح الجذري (الراديكالي) في «سيريزا» العودة إلى الانضواء تحت سقف قيادة الحزب بالانصياع للشروط الأوربية يعزز احتمال إجراء انتخابات مبكرة، خاصة إذا ما فشل تسيبراس بنيل ثقة البرلمان. والجدير ذكره هنا أن تسيبراس استعاض عن تأييد غالبية نواب حزبه في مسألة الديون المشروطة بتأييد نواب من أحزاب المعارضة، المحافِظة و«الاشتراكية». وفي السياق نفسه، لمّح وزير الصحة اليوناني، باناغيوتيس كوروبليس، إلى أن انتخابات مبكرة فقط قادرة على تأمين الاستقرار السياسي اللازم، في خضم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد. «ليست الانتخابات الخيار الأفضل... لكن الاستقرار السياسي شرط التعافي الاقتصادي»، قال كوروبليس، مؤكداً أن «تطبيق برنامج (التقشف)، ذي الإجراءات المؤلمة، شرطه الحصول على تفويض شعبي».
من جهته، قال المتحدث باسم المستشارة الالمانية، ستيفان سايبرت، يوم أمس إنه «من وجهة النظر الألمانية، إنه نجاح ألّا نتحدث بعد الآن عن شطب اسمي للدين» اليوناني. وكان اجتماع وزراء مالية دول مجموعة اليورو، يوم الجمعة الماضي، قد خلص إلى أنه «يمكن ضمان سداد الدين اليوناني بفضل برنامج إصلاحات كامل، يتمتع بالصدقية وإجراءات إضافية، من دون شطب اسمي للدين». وكانت إسبانيا وفنلندا وسلوفاكيا قد عارضت أيضاً، في الاجتماع المذكور، خفض الديون اليونانية. وأعطى المجتمعون موافقتهم على «مذكرة التفاهم» التي أقرها البرلمان اليوناني؛ وكان الاتحاد الأوروبي قد أوضح أن المذكرة هي «اتفاق تقني» فحسب، وأن أمام الحكومة اليونانية «مراحل عدة» عليها اجتيازها قبل التوصل إلى اتفاق شامل مع الدائنين (أي أن عليها تنفيذ شروط إضافية)، موضحة أن الوثيقة التي جرى توقيعها هي ليست «الاتفاق السياسي» المطلوب. ويأتي ذلك في سياق الابتزاز الذي يمارسه الاتحاد الأوروبي، بناءً على الوعد بتوفير تمويل لليونان بنحو 86 مليار يورو، يذهب قسم كبير منه للمصارف، التي ستنال مليارات اليوروات الناتجة من خصخصة الأصول العامة، بحسب الاتفاق.

(الأخبار، أ ف ب، رويترز)