باريس | أعلن المناضل الأممي إليتش راميريز سانشيز، الشهير بلقب كارلوس، أنه شرع في إضراب عن الطعام، احتجاجاً على التضييقات المتعدّدة التي يعاني منها منذ نقله، في 26 أيلول الماضي، من سجن «بواسيه» إلى سجن «لاسانتيه» في باريس، تمهيداً لمحاكمته، بدءاً من 7 تشرين الثاني المقبل، في قضية تتعلق بتفجيرات نفذتها «منظمة الثوار الأمميين» التي كان يرأسها، عامي 1982 و1983، وأرغمت السلطات الفرنسية آنذاك على تحرير اثنين من مقاتلي المنظمة هما زوجة كارلوس الألمانية ماجدلينا كوب، وذراعه اليمنى السويسري برينو بريغيه. وقالت محامية كارلوس، إيزابيل كوتان باير، في اتصال هاتفي مع «الأخبار»: «إن كارلوس يعاني، منذ شهر أيار الماضي، من سلسلة من التضييقات التي تهدف إلى منعه من الاطلاع على ملف القضية، من خلال تعطيل حاسوبه، واحتجاز الأقراص المدمجة التي تضم أوراق القضية (أكثر من 100 ألف صفحة) التي يحق له قانوناً الاطلاع عليها، للدفاع عن نفسه أمام المحكمة».
وأضافت المحامية: «تلك التضييقات تزايدت بعد نقل كارلوس إلى سجن «لاسانتيه»، حيث من الواضح أن السلطات الفرنسية تتعمّد وضعه في ظروف مهينة تخل بكرامته ولا تسمح له بإعداد دفاعه. وقد بدأ الأمر بنقله إلى زنزانة قذرة يصعب عليه فيها أن يقرأ أو يكتب، ثم توالت الضغوط من خلال احتجاز ملابسه وأغراضه الشخصية، وعدم مراعاة ظروف مرضه وكونه يعاني من السكري، ما أدى إلى فقدانه 10 كيلوغرامات من وزنه منذ وصوله إلى «لاسانتيه». ثم جاء قرار إدارة السجن وضعه في الحبس الانفرادي، بدءاً من 20 تشرين الأول الحالي، بحجة أن إدلاءه بحوارات صحافية يعدّ إخلالاً بأمن السجن».
ولفتت المحامية إلى أن كارلوس تعوّد على الدوام الإدلاء بتصريحات صحافية أو بيانات منذ اعتقاله، ولم يسبق أن تعرض لأي تضييقات بسبب ذلك. واستغربت المحامية احتجاج إدارة السجن على تصريحاته الأخيرة، فيما القانون يكفل له في الفترة التي تسبق مثوله أمام المحكمة حرية التحدث إلى الصحافة، لأنه يمثل أمام هذه المحاكمة الجديدة كـ«متهم حر»، من وجهة النظر القضائية، ويحق له بالتالي أن يعبّر عن وجهة نظره، دون أي تضييقات. ورأت المحامية أن السلطات الفرنسية تتعمّد الإخلال بمبدأ استقلالية القضاء، وتسعى إلى التأثير في قرار المحكمة. ففي الوقت الذي تسعى فيه إلى منع كارلوس من التعبير عن وجهات نظره، فوجئت هيئة الدفاع عنه بإقدام التلفزيون الحكومي الفرنسي على إعادة بث فيلم «كارلوس» لأولايفييه أساياس، قبل أسبوعين من بدء المحاكمة. وذكّرت بأن «هذا الفيلم عمل دعائي موّلته الأوساط الصهيونية الفرنسية، وقد أنجز انطلاقاً من ملفات الادّعاء العام في مختلف القضايا المرفوعة ضد كارلوس، بما فيها القضية التي سيُحاكم فيها بعد أسبوعين. وذلك مساس سافر بسرية التحقيقات القضائية». وتجدر الإشارة إلى أن السلطات القضائية لم تتجاوب مع مطالب هيئة الدفاع عن كارلوس بوقف بث فيلم أساياس في هذا التوقيت من قبل التلفزيون الحكومي الفرنسية، وتأجيله إلى ما بعد المحاكمة، ما من شأنه أن يؤثّر في الرأي العام، ويخلّ بحق كارلوس، كأي متهم، في محاكمة حيادية ومنصفة.
أما بخصوص الإضراب عن الطعام، فقد قالت المحامية إنها أيّدت هذه الخطوة، رغم أنها تخشى على صحة موكلها (وزوجها منذ عام 2002)، لأنها الوسيلة الوحيدة المتاحة له للدفاع عن كرامته، وخصوصاً أن قرار وضعه في السجن الانفرادي يضرب عرض الحائط بقرار محكمة حقوق الإنسان الأوروبية التي أدانت الدولة الفرنسية في 4 تموز 2006، بسبب إخضاعها كارلوس للسجن الانفرادي لمدة 10 سنوات، في حين تمنع التشريعات الدولية إخضاع أي معتقل للسجن الانفرادي لأكثر من 3 أسابيع.
من جهة أخرى، لم تستبعد المحامية أن يكون قرار وضع كارلوس في العزلة جاء أيضا كـ«إجراء انتقامي»، إثر الدعوى التي رفعها ضد الدولة الفرنسية بتهمة اختطافه من السودان بطريقة غير قانونية. وهي القضية التي من شأنها أن تؤدي إلى تعطيل كل الأحكام الصادرة ضدّه منذ وصوله إلى فرنسا، عام 1994. كذلك فإنها ستكون مناسبة لاستدعاء العديد من الشخصيات السياسية والأمنية الفرنسية، مثل وزير الداخلية شارل باسكوا وجنرال الاستخبارات فيليب روندو. وتقول المحامية إن ذلك «سيؤدي حتماً إلى كشف خلفيات وأسرار عملية اختطاف كارلوس من السودان، وهو ما لا تريده السلطات الفرنسية، لأنه سيكشف أن فرنسا وحكومتها أدّتا دور «كلب الحراسة» للأميركان في هذه القضية».