إسطنبول | استفاقت تركيا، أمس، على أجواء غضب شعبي ورسمي عارمين، قلّما شهدت البلاد مثيلاً له منذ سنوات على الأقل، غداة مقتل 24 جندياً تركياً وجرح 18 آخرين (بعدما كانت وزارة الدفاع قد أكدت أن عدد القتلى 26) أول من أمس، في محافظة هاكاري على أيدي مقاتلي حزب العمال الكردستاني. غضبٌ تُرجم بحسب وسائل الاعلام التركية والعالمية، بتظاهرات عفوية، انطلقت قبل تشييع الجنود الـ24 وبعده، وجابت عدداً كبيراً من المدن التركية في أنقرة واسطنبول تحديداً، إحداها جمعت قوميين أتراكاً حاولوا اقتحام مقر رئاسة الحكومة في العاصمة، بهدف زيادة الضغط على رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان لكي يسارع إلى اتخاذ الاجراءات الكفيلة بتحقيق «الانتقام الفظيع» الذي تعهد به هو ورئيسه عبد الله غول. وبالفعل، وسط حداد عام طاول كل مؤسسات البلاد، بدأت الخطوات الانتقامية التركية سريعاً، فتطوّرت العملية العسكرية التي بدأت بقوات النخبة التركية داخل الأراضي العراقية، لتتحول إلى عملية «واسعة النطاق» على حد تعبير أردوغان نفسه وقيادة أركان الجيش، ما أدى إلى مقتل 21 مقاتلاً كردياً وفق حصيلة أولية، مع مشاركة 22 فرقة من الجيش في اقتحام الأراضي العراقية عدة كيلومترات. وجاء في بيان لهيئة الأركان التركية أنه «بعد الهجمات التي نفّذها الحزب الكردي في إقليم هاكاري، أُطلقت عملية برية واسعة في 5 مناطق مختلفة داخل البلاد وخارج الحدود (شمال العراق) بمشاركة 22 فوجاً مؤلفاً من عناصر كوماندوس ووحدات عمليات خاصة للعثور على أعضاء المنظمة الإرهابية التي شنت هذا الهجوم الشنيع».وفيما قدّر مراقبون أن يكون عدد القوات التي أرسلت الى المناطق الحدودية داخل تركيا والاراضي العراقية بين عشرة آلاف و15 ألف عنصر من فرق النخبة، يجوبون الجبال العراقية والتركية مع غطاء مدفعي وصاروخي تؤمنه المدفعيات والمروحيات ومقاتلات الـ أف 16 التركية، فإن قناة «أن تي في» التركية أشارت إلى أن معظم هؤلاء الجنود الأتراك موجودون داخل الأراضي العراقية. تطوُّر عسكري بدا أنه منسَّق بين الأتراك والعراقيين والأميركيين، بدليل الاتصالات الهاتفية التي جرت بين وزراء الخارجية التركي والأميركية والعراقي أحمد داوود أوغلو وهيلاري كلينتون وهوشيار زيباري، والتنديد السريع الذي صدر عن الحزب الحاكم في كردستان العراق، الديموقراطي الكردستاني لعملية حزب «العمال». والجديد النوعي، هو ما رماه أردوغان بين أحضان حكام شمال العراق، حين كشف أنه طالب قوات حرس الحدود الكردية العراقية، أو «البشمركة»، بأن تشارك الجيش التركي عملياته داخل الأراضي العراقية لاستهداف عناصر «العمال الكردستاني»، وذلك تطبيقاً للكلام الذي أبلغه داوود أوغلو لزيباري عن أن «الوقت ليس للادانة، بل للخطوات الملموسة». كل ذلك مع علم أردوغان وزملائه بالرابط التاريخي والمعنوي على الأقل الذي يربط أو ربط بين «البشمركة» و«العمال الكردستاني».
وقال أردوغان، خلال مؤتمر صحافي عقده بعد اجتماعه مع رؤساء تحرير وسائل الاعلام التركية، إنه اتصل برئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني وطلب منه إرسال نائبه في رئاسة الحزب، نيجيرفان البرزاني، لزيارة تركيا «لأننا بحاجة إلى أن نجلس ونقوّم الوضعيه معهم، لكوننا بحاجة إلى أن تقوم البشمركة ببعض الأمور». وفي الاجتماع نفسه، أكّد أردوغان أن الهجوم الذي نددت به الأسرة الدولية «لا يغير في عزم الحكومة على وضع حد للازمة الكردية». وتوجه إليه الصحافي محمد يلماظ من «حرييت» المعارض بالقول «من حقنا أن نتوقع أكثر من رد خطابي فارغ. لا نريد أقوالاً بل حلاً». وبالفعل، وصل نيجيرفان البرزاني صباحاً إلى أنقرة حيث التقى بداوود أوغلو فوراً وبرئيس جهاز الاستخبارات التركية حقان فيدان، حيث يتوقع أن يكون موضوع التعاون العراقي قد احتل معظم وقت الاجتماعين.
وتوقف المراقبون عند إشارة أردوغان إلى أن العمليات الجوية والبرية الجارية الآن «هي خطوة أولى ضد المتمردين الأكراد»، وسط ملاحظة البعض أن الرجل تحاشى تسمية أي دولة أجنبية من ناحية التورط في دعم «العمال الكردستاني»، رغم الكلام الذي أدلى به أول من أمس عن أنّ الحزب الكردي «أصبح أداة لمراكز قوى قد تكون خارجية».
وقد شنّ أردوغان في كلمته هجوماً عنيفاً جديداً على الحزب الكردي الممثل في البرلمان، وهو «السلام والديموقراطية»، الذي سبق لرئيس الوزراء أن وصفه بأنه حزب إرهابي خلال الحملات الانتخابية لاستحقاق 12 حزيران الماضي. وقال أردوغان إن «السلام والديموقراطية فضّل أن يتهم الحكومة بالمسؤولية عن الجريمة، وبيانهم يشجع القتلة. على هذا الحزب أن يبعد نفسه عن المنظمة الاجرامية، وما داموا عاجزين عن اتخاذ مسافة عن المجرمين، فإنهم لن يتمكنوا من تنظيف بقع الدم من على وجوههم وأياديهم».
وقد لاقى الهجوم التركي داخل الأراضي العراقية «ترحيباً» من «العمال الكردستاني»، الذي ردّ على قرار الهجوم الشامل بالقول، على لسان مسؤول الاعلام في الحزب، دوز دار حمو، إنه «حتى الآن، لا يوجد توغُّل بري للقوات التركية في أي منطقة، لكنهم إذا أتوا فليأتوا، نحن نرحب بهم هنا». وقد خسر الجيش التركي جندياً جديداً امس، في هاكاري نفسها التي شهدت عملية يوم الأربعاء، عندما داس على لغم أرضي زرعه «الكردستاني» في إطار الحملة الأمنية.
أما على المستوى السياسي، فقد بدا أن كل شيء عُلِّق على حساب أولوية معالجة الملف الأمني؛ ففيما كان يفترض أن يشهد يوم أمس الاجتماع الأول للجنة البرلمانية المكلفة إعداد دستور جديد للبلاد، تباحث البرلمان، في جلسة مغلقة بعد ظهر أمس، في إجراءات الرد المحتملة على الهجوم الكردي.